كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ – أحمد شوقي

كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ … وله في النخلة ِ الكبرى أريكْ

فيه كرسيٌّ، وخِدْرٌ، ومُهودْ … لصغارِ الملك أصحابِ العهود

جاءهُ يوماً ندورُ الخادمُ … وهوَ في البابِ الأمينُ الحازمُ

قال: يا فرعَ الملوكِ الصالحينْ … أنت ما زلتَ تحبُّ الناصحينْ

سوسة ٌ كانت على القصرِ تدورْ … جازتْ القصرَ، ودبتْ في الجدور

فابعث الغربانَ في إهلاكها … قبلَ أن نهلكَ في أشراكها

ضحكَ السلطانُ من هذا المقال … ثم أدنى خادمَ الخير، وقال:

أنا ربُّ الشوكة ِ الضافي الجناح … أنا ذو المنقارِ، غلاَّبُ الرياح

أَنا لا أَنظُرُ في هَذي الأُمور … أَنا لا أُبصِرُ تَحتي بانُدور

ثُمَّ لَمّا كانَ عامٌ بَعدَ عام … قامَ بَينَ الريحِ وَالنَخلِ خِصام

وَإِذا النَخلَةُ أَقوى جِذعُها … فَبَدا لِلريحِ سَهلاً قَلعُها

فهوتْ للأرضِ كالتلِّ الكبير … وَهَوَى الديوانُ، وانقضَّ السَّرير

فدها السلطان ذا الخطبُ المهول … ودعا خادمه الغالي يقول:

يا ندورَ الخير، أسعفْ بالصياح … ما تَرى ما فعلَتْ فينا الرياح؟

قال: يا مولايَ، لا تسأل ندور … أنا لا أنظر في هذي الأمور