قل لرجالِِ طغى الأسير – أحمد شوقي

قل لرجالِِ: طغى الأسير
طيرُ الحِجالِ متى يَطيرْ؟

أوهى جناحيه الحديدُ
وحَزَّ ساقَيْهِ الحرير

ذهب الحجاب بصبره
وأَطال حيْرتَه السُّفور

هل هُيِّئَتْ دَرَجُ السماء له
وهل نُصَّ الأثير؟

وهل استمرَّ به الجَنا حُ
وَهَمَّ بالنَّهْض الشكير؟

وسما لمنزله من الدنيا
ومنزلُه خطير؟

ومتى تُساس به الرياضُ
كما تُساس به الوكور؟

أوَكُلُّ ما عند الرجالِ
له الخواطبُ والمهمور؟

والسجنُ في الأَكواخ أَو
سجنٌ يقال له: القصور؟

تالله لو أَن الأَديمَ
جميعَه روضٌ ونور

في كلّ ظلٍّ ربوة
وبكلّ وارفة ٍ غدير

وعليه من ذَهبٍ سياجٌ
أو من الياقوت سور

ما تَمَّ من دون السماءِ
له على الأرض الحُبور

انّ السماءَ جديرة ٌ بالطير
وهو بها جدير

هي سرجُهُ المشدودُ وهو
وضعْتَه وعلمْتَ أَن

يتعايا بجناحٍ وَيَنوءْ بجناح
مُذْ وَهَى ما صلحا

حُرِّيَّة ٌ خُلِق الإناث لها
كلما خلق الذكور

هاجَتْ بناتِ الشعرِ عينٌ
من بنات النيل حُور

لي بينهن ولائدٌ
هم من سواد العين نور

لا الشعرْ يأْتي في الجمان
بمثلهن ولا الجور

من أَجلهن أَنا الشفيقُ
على الدُّمَى وأَنا الغيور

أَرجو وآمل أَن ستجري
بالذي شِئنَ الأُمور

يا قاسم انظر: كيف سار
الفكرُ وانتقل الشعور؟

من كلِّ ناحية لها أَوكار

جابت قضيَّتُكَ البلادَ
كأَنها مَثَلٌ يسير

رحمة ُ اللهِ له
هل عَلمِاما الناسُ إلا أوَّلٌ
يمضي فيخلُفه الأَخير

الفكرُ بينهما على
بُعْدِ المَزارِ هو السفير

هذا البناءُ الفخمُ ليس
أساسهُ إلا الحَفير

حتى كأَنك للعناية جار

إن التي خلَّفْتَ أَمسِ
وما سِواكَ لها نصير

نهض الخفيُّ بشْنها
وسعى لخدمتها الظهير

في ذمة الفُضْلَى هدى

جِيلٌ إلى هاد فقير

ناحَ إذ جَفناشَ في أَسرِ النجومْ
قَدَرٌ على يُمْنَى يَدَيْهِ سلامة ٌ

أقبلنَ يسأَلْنَ الحضا رة
ما يُفيد وما يَضير

ما السُّبْلُ بَيِّنَة
ولا كلُّ الهُداة ِ بها بصير

ما في كتابِكَ طَفْرَة
تُنْعى عليكَ ولا غرور

هَذَّبْتَه حتى استقامت
من خلائقك السطور

حسابَ واضعِه عسير

لك في مسائله الكلامُ
العفُ والجدلُ الوَقور

ولك البيانُ الجذلُ في
أَثنائه العلمُ الغزير

في مطلبٍ خَشنٍ كثيرٌ
في مَزالقه العُثور

ما بالكتاب ولا الحديث
إذا ذكرْتَهُما نكير

حتى لَنسأَلُ: هل تَغارُرُ
على العقائد أم تُغير؟

عشرون عاماً من زوا
لك ما هي الشيءُ الكثير

رُعْنَ النساءَ وقد يَرُوعُ
المُشْفِقَ الجلَلُ اليسير

فَنَسِينَ أَنك كالبدور
ودونَ رِفعتِكَ البُدور

تفنى السِّنون بها وما
آجالها إلا شهور

لقد اختلفنا والمُعا
شِرُ قد يخالفه العَشير

في الرأي ثُمَّ أَهاب بي
وبك المُنادِمُ والسَّمير

ومحا الرَّ,َاخُ الى مغا ني
الودِّ ما اقترف البُكور

ثم خان التاجُ وُد المفْرِِ
ونبَتْ بالأَنْجُمِ الزُّهْرِ الديارْ

في الرأْي تَضْطَغِنُ العقولُ
وليس تضطغن الصدور

قل لي بعيشِك: أَين أَنت؟
وأَين صاحبُك الكبير؟

أين الإمام ؟ وأين إسماعيلُ
والملأُ المنير؟

لما نزلتم في الثرى
تاهت على الشهب القبور

عصر العباقرة ِ النجومِ
بنوره تمشي العصور

خضبَ الجند به الأرضَ دما
وقلوبُ الجندِ كالصخرِ القسي

نزل الناجي على حكم النوى
وتوارى بالسرى من طالبيه

بانٍ ولم يُدركهُمُ حَفَّار

للبأْس فيه ولا الأَسِنَّة ُ دار
من أخي صيدٍ رفيقٍ مرس ؟

ناقلاتٍ في العبير القدما
واطئاتٍ في حبير السُّنْدُسِ

وسيلقى حينهُ نسرُ السما
يوم تطوى كالكتاب الدرس
أَم فتية ٌ ركبوا الجناح فطاروا؟