عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّة – ابن الرومي

عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّة … حبائس عندي قد أَتَى أن تُسرَّحا

ولم احتَبِسْهَا إذ حبستَ مثوبتي … لأن مديحاً لم يجد بعدُ مَمْدحا

ولا أنّ بيتاً في قريضي مثبَّجاً … أخاف لدى الإنشاد أن يُتصفَّحا

وما كان فيما قلت زيغ علمتُه … فأرجأتُهُ حتى يقامَ ويُصلَحا

ولكنَّ لي نفس عليك شفيقة … تحاذر وِجدانَ العِدا فيك مَقْدحا

إذا استشهدتْ ألحاظُهم عند مُنشَدي … شواهدَ وجدٍ إنْ تعاجمتُ أَفْصحا

فأدِّي إليهم كلَّ ما قد علمته … رُواءً إذا ورَّى لسانيَ صَرّحا

هنالك يُنْحِي الحاسدون شِفارَهم … لِعرضٍ مُناهم أن يَرَوْا فيه مَجْرحا

فَتُلْحَى لعمري في ثواب لويتَه … وأنت امرؤ في الجود يلحاك من لحَا

وكنت متى يُنشَدْ مديحٌ ظلمتَه … يكن لك أهجى كلما كان أَمْدحا

إذا أحسن المدحَ امرؤ كان حُسْنه … للابِسِه قبحاً إذا هو أقبحا

ومبتسِمٌ للمدح في ذي مروءة … فلما درى أنْ لم يثوِّبه كلَّحا

رأى حسناً لاقاهُ جازٍ بسيءٍ … فَهلّل إكباراً لذاك وسبَّحا

غششتُك إن أنشدتُ مدحِيك عاطلاً … وعرَّضْتُك اللُّوَّم مُمْسى ً ومُصْبَحا

ولستُ براضٍ أن أراه مطوَّقاً … من العرف طوقاً أو أراه موشَّحا

لأبهِجَ ذا ودٍّ وأَكبتَ حاسداً … مَسوءاً بما تُسدي وأَهْدي مُترَّحا

وأدفع لؤماً طالما قد دفعتُه … بجهدي فأمسى عن حَرَاكَ مزحزحا

مودة ُ نفسٍ شُبتُها بنصيحة ٍ … وأنت حقيقٌ أن تُوَدَّ وتُنْصحا

وإن كنتُ ألقى ما لديك ممنَّعاً … ويلقاه أقوامٌ سواي ممتَّحا

فيا أيها الغيثُ الذي امتدّ ظله … رُواقاً على الدنيا وصاب فَسَحْسحا

ويا أيها المرعى الذي اهتز نبتُه … وَبَكّر فيه خصبُه وتَروَّحا

عذرتُك لو كانت سماءٌ تقشَّعتْ … سحائبها أو كان روض تَصوَّحا

ولكنها سُقْيا حُرمتُ رويَّها … وعارضُها مُلقٍ كلاكل جُنَّحا

وأكلاء معروفٍ حمِيتُ مريعها … وقد عاد منها السهل والحزن مسْرحا

عَرضتُ لأَذوادي وبحرك زاخر … فلما أردن الوِرْد أَلْقين ضَحْضَحا

فلو لم تَرد أذوادُ غيري غِمَاره … لقلت سرابٌ بالمتان تَوضَّحَّا

فيا لك بحراً لم أجد فيه مشرباً … وإن كان غيري واجِداً فيه مَسْبحا

سأَفخر إذ أعطانيَ اللَّهُ مَفْخراً … وأبجح إذ أعطانيَ اللَّه مَبْجَحا

مديحي عصا موسى وذلك أنني … ضربتُ به بحر الندى فتضحضحا

فيا ليت شعري إن ضربتُ به الصَّفا … أيَبعثُ لي منه جَداولَ سُيَّحا

كتلك التي أبدت ثرى البحر يابساً … وَشَقّت عيوناً في الحجارة سُفَّحا

سأمدح بعض الباخلين لَعلَّه … إن اطّردَ المقياسُ أن يتَسمّحا

ملكتَ فأَسْجِح يا أبا الصقر إنه … إذا ملك الأحرارَ مثلُك أَسْجحا

تقبّلْ مديحي بالندى مُتقبَّلاً … أو اطرحه بالمنع المبيَّن مَطْرحا

فما حقُّ من أَطراك ألا تُثيبه … إياساً ولا يأساً إذا كان أَروحا

ألم ترني جُمَّت عليك قريحتي … وكان عجيباً أن أُجِمَّ وتنزحا

فآونة ً أكسوك وَشْياً محبَّرا … وآونة أكسوك ريْطاً مُسيَّحا

محضتُك مدحاً أنت أهل لمحضِه … وإن كان أضحى بالعتاب مُضيَّحا

وهبنيَ لم أبلغ من المدح مَبْلغاً … رضيّاً ألمْ أَكْدَح لذلك مَكْدحا

بلى واجتهادُ المرءِ يوجب حقَّه … وإن أخطأ القصدَ الذي نحوَه نحا

أتاك شفيعي واسمه قد علمتَه … لتُرجِعه يدعى به وبأَفْلحا