عز المعالي مات يوسف سابا – جبران خليل جبران

عز المعالي مات يوسف سابا … عز الفضائل فيه والآدابا

عز الإمارة والوزارة والندى … والبأس والأنساب والأحسابا

وإلى جميع الشرق فانع مهذبا … فقدانه في الشر عم مصابا

ما حال مصر ودون يوسف قد جرى … حكم القضاء فقطع الأسبابا

خطب على التعداد في أمثاله … راع النفوس وحير الألبابا

فكأن ما يرديه في بطن الثرى … يرميه من كبد السماء شهابا

مات الذي ملئت صحائف عمره … آيا تضمنها الفخار كتابا

وبها سما أوج المراتب واقتنى … أسنى السمات وأحرز الألقابا

ولي الوزارة لم يخله حينما … لبى على الآساد يدخل غابا

ورآه كم رؤيا كذوب ناهجا … نهجا يفيد اليل والأعقابا

حتى إذا كشفت له عما بها … لم يرضه فخر تبطن عابا

ولي الإدارة رائضا علاتها … يتدارك التحسين بابا بابا

مهما يلاق من الصعاب يكد في … طلب النجاح ولا يبال صعابا

يوفي جزاء المستحق ويصطفي … أدعى الأمور إلى الصلاح عقابا

فغدا البريد بمصر وهو وليه … عجبا لمن عرف النظير عجابا

أسفا على ذاك الذي عن قومه … في كل محمدة أنيب ونابا

قد كان في الظلمات كوكب عزهم … فاليوم كوكب عزهم قد غابا

إن الشيوخ إذا بكوه قرزؤه … أبكى كهولا بعده وشبابا

صرف الزمان وقد رماه رمى به … قلب المروءة والندى فأصابا

لما نعوه نعوا هماما ماجدا … ملأ النهى بصفاته إعجابا

وكأن ألسنة من البرق الذي … ينعي مددن إلى القلوب حرابا

كيف الضمير العبقري مشارفا … هذا الوجود جلا أكان ضبابا

كيف البناء كذل الجسم الذي … عمرته تلك الروح بات يبابا

ذاك التبسم عن صفاء طوية … ذاك البدار تحية وجوابا

ذاك التلفت وهو من صيد امرئ … ما هان يوم كريهة أو هابا

ذاك المحيا مشرقا في لحية … زان السواد بها بياض شابا

تلك اللحاظ سدسدة فإذا نبت … فلعلها تجد المريب فتابى

تلك الشمائل والمعارف والنهى … والحسن والحسنى أصرن ترابا

لم يرض سابا أن يكون له عدى … واستكثر الإخوان والأحبابا

ما قال فاحشة ولم يهمم بها … يوما ولم يلمم بأمر رابا

فاظنن بعال منصبا ووظيفة … ما اغتابه الحساد أو ما اغتابا

من لم يفرط في حساب ضميره … لم يخش يوما للعباد حسابا

أعرفت حرا غير سابا لم يجئ … قولا وفعلا ما يثير عتابا

إن مر ورد الدهر ظل حديثه … عذبا وإن خبثت أناس طابا

سمح إلى الإتلاف إن يتقاضه … ذاك الوفاء ولم يظن ثوابا

ما أم مشرع جاهه أو ماله … قمن بتحقيق الرجاء فخابا

متنزه عالي الجناب وقل من … جمع التنزه والعلو جنابا

يتوسم الإخلاص في أعماله … حتى ليوشك أن يشف حجابا

ثبت على الرأي الصحيح فإن يقع … خطأ تجده الراجع التوابا

لم يدعه داع لأمر واجب … إلا تشمر مسرعا وأجابا

بالجد يكسب في النفوس مهابة … ويقل ما شاء الكمال دعابا

يدع القشور لكل دي لهو بها … ويرى الأمور حقيقة ولبابا

لا يعرف الدعوى ولا يرضي امرأ … كذبا ويفعل ما استطاع صوابا

ويرى من المزري تكلف سيد … في يوم صدق أن يقول كذابا

يوم سابا ما فعلت بأمة … ثكلته دع أهليه والأصحابا

ألقطر مهتز الجوانب لوعة … والنيل لو يعلو لسال سحابا

والوافدون يشيعون عزيزهم … حشد به الطرقات ضقن رحابا

فكأن حول النعش بحرا مائجا … وكأنه فلك يشق عبابا

ما من أمير أو رفيع مكانة … إلا عليه استمطر الأهدابا

ما من يتيم أو ضعيف بائس … إلا بكاه بحر قلب ذابا

لله يا حلو الصداقة كم سقت … هذي النوى فيك الأحبة صابا

أليوم عدن استأنست من وحشة … بأبر مبتكر إليها آبا

إن قلت لا تبعد فإنك بيننا … هل مائت من يخلف الأنجابا