طَغَتْ أُمَّةُ الجَبَلِ الأَسْوَدِ – خليل مطران
طَغَتْ أُمَّةُ الجَبَلِ الأَسْوَدِ … عَلَى حُكْمِ فَاتِحِهَا الأَيِّدِ
وَهَبَّتْ مُنِيخَاتُ أَطْوَادِهَا … نَوَاشِزَ كَالإِبِلِ الشُّرَّدِ
وَأَبْلَى النِّسَاءُ بَلاَءَ الرِّجَ … لِ لَدَى كُلِّ مُعْتَرَكٍ أَرْبَدِ
نِسَاءٌ لِدَانُ القُدُودِ لَهَا … خُدُودُ كَزَهْرِ الرِّيَاضِ النَّدِي
تَنَظَّمَ مِنْ حُسْنِهَا جَنَّةٌ … عَلَى ذَلِكَ الجَبَلِ الأَجْرَدِ
وَيَوْمٍ كَأَنَّ شُعَاعَ الصَّبَا … حِ كَسَاهُ مَطَارِفَ مِنْ عَسْجَدِ
تَفَرَّقَتِ التُّرْكُ فِيهِ عَصَا … ئِبَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى مَرْصَدِ
يَسُدُّونَ كُلَّ شِعَابِ الجِبَا … لِ عَلَى النَّازِلينَ أَوْ الصُّعَّدِ
أُسُودٌ تُرَاقِبُ أَمْثَالَهَا … وَلاَ يَلْتَقُونَ عَلَى مَوْعِدِ
وَكَانَ عِدَاهُمْ عَلَى بُؤْسِهِمْ … وَطُولِ جِهَادِهِمُ المُجْهِدِ
يُوَافُونَهُمْ بَغَتَاتِ اللُّصُو … صِ وَيَرْمُونَ بِالنَّارِ وَالْجَلْمَدِ
وَيَفْتَرِقونَ تِجَاهَ الصفو … فِ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى المُفْرَدِ
وَيَمْتَنِعُونَ بِكُلِّ خَفِيٍّ … عَصِيٍّ عَلَى أَمْهَرِ الرُّوَّدِ
وَأَيُّ رَأَى شَارِداً يَقْتَنِصْ … هُ وَأَيٌّ رَأَى وَارِداً يَصْطَدِ
وَيَلْتَقِمُونَ جَنَاحَ الْخَمِي … سِ إِذَا الْعَوْنَ أَعْيَى عَلَى المُنْجِد
مَنَامُهُمُ جَاثِمِينَ وَقُو … فاً وَلاَ يَهْجَعُونَ عَلَى مَرْقَد
وَمَا مِنْهُمُ لِلْعِدَى مُرْشدٌ … سِوَى غَادِرٍ سَاءَ مِنْ مُرْشد
إَذَا لَمْ يَقُدْهُمْ إِلى مَهْلِكٍ … أَضَلَّ بِحِيلَتهِ المُهْتَدي
وَيَعْتَسِفُ التُّرْكُ فِي كُلِّ صَوْ … بٍ فَهَذَا يَرُوحُ وَذَا يَغْتَدِي
وَمَا الترْكُ إِلاَّ شُيُوخُ الحُرُو … بِ وَمُرْتَضِعُوهَا مِنَ المَوْلِدِ
إِذَا أَلْقَحُوها الدِّمَاءَ فَلاَ … نِتَاجَ سِوَى الفَخْرِ وَالسًّؤْدُدِ
سَوَاءٌ عَلَى المَجْدِ أَيّاً تَكُنْ … عَوَاقِبُ إِقْدَامِهِمْ تَمْجُدِ
وَلَكِنَّ قَوْماً يَذُودُونَ عَنْ … حَقِيقَتِهِمْ مِنْ يَدِ المُعْتَدِي
وَتَعْصِمُهُمْ شَامِخَاتُ الجِبَا … لِ وَكُلُّ مَضِيقٍ بِهَا مُوصَدِ
وَيَدْفَعُهُمْ حُبُّ أَوْطَانِهِمْ … وَيَجْمَعُهُمْ شَرَفُ المَقْصِدِ
لَوِ المَوْتُ مَدَّ إِلَيْهِمْ يَداً … لَرَدوهُ عَنْهُمْ كَلِيلَ اليَدِ
وَكَانَ مِنَ التُّرْكِ جَمْعُ القَلِي … لِ عَلَى رَأْسِ مُنْحدَرٍ أَصْلَدِ
كَثِيرِ الثُّلُومِ كَأَنَّ الفَتَى … إِذَا زَلَّ يَهْوِي عَلَى مِبْرَدِ
وَقَدْ نَصَبُوا فَوْقَهُ مِدْفَعاً … يَهُزُّ الرَّوَاسِخَ إِنْ يَرْعَدِ
وَحَفُّوا كَأَشْبَالِ لَيْثٍ بِهِ … وَهُمْ فِي دِعَابٍ وَهُمْ فِي دَدِ
فَفَاجَأَهُمْ هَابِطٌ كَالْقَضَا … ءِ فِي شَكْلِ غَضِّ الصَّبِي أَمْرَدِ
فَتىً كَالصَّبَاحِ بِإِشْرَاقِهِ … لَهُ لَفْتَةُ الرَّشَإِ الأَغْيَدِ
يَدُلُّ سَنَاهُ وَسِيمَاؤُهُ … عَلَى شَرَفِ الجَاهِ وَالمَحْتَدِ
تَرُدُّ سَوَاطِعُ أَنوَارِهِ … سَلِيمَ النَّوَاظِرِ كالأَرْمَدِ
أَقَبُّ التَّرائِبِ غَضُّ الرَّوَا … دِفِ يَخْتَالُ عَنْ غُصْنٍ أَمْيَدِ
لَهِيبُ الحُرُوبِ عَلَى وَجْنَتَيْ … هِ وَالنَّقْعُ فِي شَعْرَهِ الأَسْوَدِ
وَفِي مِحْجَرَيْهِ بَرِيقُ السُّيُو … فِ وَظِلُّ المَنِيَّةِ فِي الأُثْمُدِ
فَأَكْبَرَ كُلُّهُمُ أَنَّهُ … رَآهُ تَجَلَّى وَلَمْ يَسْجُدِ
وَظَنُّوهُ مُسْتَنْفَراً هَارِباً … أَتَاهُمْ بِذلَّة مُسْتَنْجِدِ
وَلَمْ يَحْسَبُوا أَنَّ ذَا جُرْأَةٍ … يُهَاجِمُ جَمْعاً بِلاَ مُسْعِدِ
تَبَيَّنَ هُلْكاً فَلَمْ يَخْشَهُ … وَأَقْدَمَ إَِقْدَامَ مُسْتَأْسِدِ
فَأَفْرَغَ نَارَ سُدَاسِيَّهِ … عَلَى القَوْمِ أَيَّا تُصِبْ تُقْصِد
وَضَارَبَ بِالسَّيْفِ يُمْنَى وَيُسْ … رَى فَأَيْنَ يُصِبْ مَغْمَداً يُغْمِدِ
سَقَى الصَّخْرِ مِنْ دَمِهِمْ فَارْتَوَى … وَلَمْ يَشْفِ مِنْهُ الفُؤَادَ الصَّدي
فَمَا لَبِثُوا أَنْ أَحَاطُوا بِه … فَدَانَ لِكَثْرَتِهِمْ عَنْ يَدِ
وَلَوْلاَ اتِّقَاءُ الخِيَانَة فِي … ه لَكَان الأَلَدُّ لهُ يَفْتَدي
فَلَمَّا احْتَوَاهُ مَقَرُّ الأَمِي … يرِ مَقُوداً وَمَا هُوَ بِالْقَيِّد
أَشَارَ وَمَا كَادَ يَرْنُو إِلَيْ … ه بِأَنْ يَقْتُلُوهُ غَدَاةَ الغَدِ
فَأَقْصَي الفَتَى عَنْهُ حُرَّاسَهُ … وَشَقَّ عَنِ الصَّدْرِ مَا يَرْتَدي
وَأَبْرَزَ نَهْدَيْ فَتَاةٍ كِعَا … بٍ بِطَرْفٍ حَيِيٍّ وَوَجْهٍ نَدِي
كَحُقَّيْ لُجَيْنٍ بِقُفْلَيْ عَقِي … يقٍ وَكَنْزَيْنِ فِي رَصَدٍ مُرْصَدِ
فَكَبَّرَ مِمَّا رَآهُ الأَمِي … رُ وَهَلَّلَ أَشْهَادُ ذَاكَ النَّدِي
وَرَاعَهُمُ ذَلِكَ التَّوْأَمَا … نِ وَطَوْقَاهُمَا مِنْ دَمِ الأَكْبُدِ
وَوَثْبُهُمَا عِنْدَمَا أُطْلِقَا … بِعَزْمٍ إِلى ظَاهِرِ المِجْسَد
كَوَثْبِ صِغَارِ المَهَا الظَّامِئَا … تِ نَفَرْنَ خِفَافاً إِلى مَوْرِد
وَأَرْخَتْ ضَفَائِرَهَا فَارْتَمَتْ … إِلى مَنْكِبَيْهَا مِنَ المَعْقدِ
تُحِيطُ دُجَاهَا بِشَمْسٍ عَرَا … هَا سَقَامٌ فَحَالَتْ إِلى فَرْقَدِ
وَقَالَتْ أَمُهْجَةُ أُنْثَى تَفِي … بِثَارَاتِ صَرْعَاكُمُ الهُمَّدِ
تَفَانَوْا فَمَا خَاسَ فِي وَقْعَةٍ … فَتىً مِنْ مَسُودٍ وَلاَ سَيِّدِ
يَرَى العِزَّ فِي نَصْرِ سُلْطَانِهِ … وَإِلاَّ فَفِي مَوْتِ مُسْتَشْهَدِ
وَمِنْ خُلُقِ التُّرْكِ أَنْ يُوْرِدُوا … سُيُوفَهُمُ مُهَجَ الخُرَّدِ
فَدُونَكُمُ قِتْلَةً حُلِّلَتْ … تَدِي مِنْ دِمَائِكُمُ مَا تَدِي
فَأَصْغَى الأَمِيرُ إِلى قَوْلِهَا … وَلَمْ يُسْتَفَزْ وَلَمْ يَحْقِدِ
وَأَعْظَمَ نَفْسَ الفَتَاةِ وَبَأْ … ساً بِهَا فِي الصَّنَادِيدِ لَمْ يَعْهَدِ
وَحُسْناً بِمُشْرِكَةٍ دَاعِياً … إِلى الشِّرْكِ مَنْ يَرَهُ يَعْبُدِ
أَبَى عِزَّةً قَتْلَ أُنَثَى تَذُو … دُ ذِيَادَ المُدَافِعِ لاَ المُعْتَدِي
فَقَالَ انْقُلُوهَا إِلى مَأْمَنٍ … وَأَوْصُوا بِهَا نُطُسَ العُوَّدِ
لِتعْلَمَ أَنَّا بِأَخْلاَقِنَا … نُنَزَّهُ عَنْ تُهَمِ الحُسَّدِ
فَإِذْ أُخْرِجَتْ قَالَ لِلْمَاكِثِي … نَ وَهُمْ فِي ذُهُولِهُمُ المُجْمَدِ
لَهَا اللهُ فِي الغِيدِ مِنْ غَادَةٍ … وَفِي الصِّيْدِ مِنْ بَطَلٍ أَصْيَدِ
أَنُهْلِكُ شَعْباً غَزَتْ دَارَهُ … ثِقَالُ الجُيُوشِ فَلَمْ يَخْلُدِ
خَلِيقٌ بِنَا أَنْ نَرُدَّ الْقِلىَ … وِ اداً وَمَنْ يَصْطَنِعْ يَوْدَدِ
فَمَا بَلَدٌ تَفْتَدِيهِ النِّسَا … ءُ كَهَذَا الْفِدَاءِ بِمُسْتَعْبَدِ