شهب تبين فما تأوب – جبران خليل جبران
شهب تبين فما تأوب … فكأنها حبب يذوب
أرأيت في كأس الطلا … دررا وقد صعدت تصوب
هو ذاك في لج الدجى … طفو الدراري والرسوب
وثبت به في أوجه الأسنى … فغالته شعوب
لقي الحقيقة شاعر … ما غره الوهم الكذوب
أوفى على عدن وما … هو عن محاسنها غريب
كم بات يشهدها وقد … شفت له عنها الغيوب
جزع الحمى لنعيه … وبكاه شبان وشيب
أي صاحبي لقد قضى … أستاذنا البر الحبيب
فعرا قلادتنا وكانت … زينة الدنيا شحوب
إني لأذكر والأسى … بين الضلوع له شبوب
عهدا به ضمت فؤادا … واحدا منا الجنوب
إذ بعضنا من غير ما … نسب إلى بعض نسيب
وبغير قربى بيننا … كل إلى كل قريب
مستشرف لا السلم … طلاع إليه ولا الحروب
يضفي به الضوء الهلال … ويبسط الظل الصليب
يا مصر قام العذر إن … يقلق مضاجعك الوجيب
وعلى فقيد كالذي … تبكين فليكن النحيب
مات الأديب وإنه … في كل معنى للأديب
مات المحامي عن ذمارك … مات قاضيك الأريب
مات الذي تدعوه داعية … الولاء فيستجيب
مات الذي ما كان في … أخلاقه شيء يريب
مات الذي منظومه … لأولي النهى سحر خلوب
آهان لو عرف الشباب … وآه لو قدر المشيب
شعر على الأيام يرويه … مردده الطروب
وكأنما في أذن قارئه … يغني عندليب
كل المعاني معجب … ما شاء والمبنى عجيب
كالدر مكن في العقود … وللشعاع به وثوب
ديباجة كأدق ما … نسجت شمال أو جنوب
فيها حلى جد الفواتن … وشيها واش لعوب
آيات حسن كلها … صفو وليس بها مثوب
تستافها رأد الضحى … ويظلك الوادي الخصيب
في بهجة الزهرات باكرهن … مدرار سكوب
فاللحظ يشرب والندى … مشمولة والكم كوب
وكمدحه المدح الذي … أبدا له ثوب قشيب
وكوصفه الوصف الذي … عن رؤية الرائي ينوب
يتناول الغرض البعيد … إذا البعيد هو القريب
أو يبرز الخلق السوي … فللحياة به دبيب
كل يصادف من هواه … عنده ما يسطيب
فكأن ما تجري خواطره … به تجري القلوب
في رأيه اللغة البلاد … أجل هو الرأي المصيب
يودي الفصيح من اللغات … إذا غفا عنه الرقيب
أفديك فارقت الحياة … وغيرك الجزع الكئيب
جارت عليك فضاق عن … سعة بها الذرع الرحيب
تلك الحياة وما بها … إلا لأهل الخبث طيب
كم بت في سهد وأنت … لغاية شقت طلوب
فالفضل منقصة له … وخلاله الحسنى عيوب
فإذا قنى مالا كما … يقني لعقباه الحسيب
حذر المهانات التي … متقدموه بها أصبيوا
أفنى بمجهودته قوته … وأرداه اللغوب
لأخف من بعض المقالة … ذلك الموت الحزيب
أعني مقالة كاشح … في قدرك العالي يريب
ممن يهش كما تثاءب … وهو طاوي الكشح ذيب
شر الأنام الباسمون … وفي جوانحهم لهيب
متنقصو محسودهم … وله التجلة والرجوب
فئة تنال من الفتى … ما لم تنل منه ألكروب
قالت لتضليل العقول … وليس كالتضليل حوب
صبري مقل ورده … عذب وآفته النضوب
أخبث بما أخفوا وظاهر … قصدهم عطف وحوب
ما الشعر يا أهل النهى … والذكر ديوان رغيب
أزهى وأبهى الورد لا … يأتي به الدغل العشيب
أو لم يطل شدو وشاديه … الهزار أما يطيب
ألشعر تلبية القوافي … والشعور بها مهيب
وبه من الإيقاع ضرب … لا تحاكيه الضروب
هو نوح ساقيه شكت … لا قدر ما يحوي القليب
هو أنة وتسيل من … جرائها نفس صبيب
ولقد تراهم ساخرا … منهم وأشجعهم نخيب
خالوا رداك إباحة … خابوا ومثلهم يخيب
لك في النهى بعد النوى … شفق ولكن لا يغيب