سلمت من شوائب التكدير – جبران خليل جبران
سلمت من شوائب التكدير … أعين السيد الهمام الأمير
ما عراها أذى ولكن تغشى … عارض دونها جلاء النور
طيف غاد من السحاب مول … شاب في سيره صفاء غدير
ظل جرم قدمر في سمت نجم … فحمى نوره أوان المرور
هل على سالم النواظر بأس … من غشاء يكون في المنظور
حفظ اله مقلتيك وأقصى … عنهما كل طاريء محذور
ولئن أغضتا فعادة صفح … فيهما عن عفاف نفس وخير
شيمة جازت السماحة فضلا … فاستتمت على يد المقدور
بضمير على البلاء نقي … وفؤاد على المصاب شكور
كل خلق ما راضه الدهر يوما … بكبار الصروف غير كبير
هكذا البأس إنما ليس ينفي … من فؤاد الشجاع لطف الشعور
لك بين الأسى وبين التأسي … ثكل واف ورشد هاد صبور
ساعة يغلب التأسي فتلفي … وجليل الأمور مثل الصغير
وأوانا تأسي على الذكر حتى … ليلين البكاء صم الصخور
فلقد ألتقيك تلهب شوقا … لفقيد غص الشباب نضير
فإذا منك في غصون المحيا … ملمح للسهاد والتفكير
وإذا منك رسم ذاك المفدى … في جبين يشف كالبلور
يتراءى من عالم الغيب فيه … كترائي النجم البعيد المنير
وأرى في العيون منك لحاظا … تترامى إلى خوالي الدهور
لاحقات به حراصا عليه … وسلو الماضين شر القبور
وأرى أدمعا تسيل حرارا … من فؤاد مكلم محرور
كمياه العيون تجري بذوب … من مشيب الجبال ملء النهور
يستوي الجاريان بالصفو إلا … أن ماء الدموع غير قرير
حسب جفنيك يا محمد جودا … تعبا من هذا البكاء الغزير
أفتبكي وأنت أوسع علما … بسماح المعطي وسلب التقدير
أفتبكي وإن نجلك يغني … من كرام البنين عن جمهور
أفتبكي ومن بنيك وفير … هم بنو ذلك النوال الوفير
أفتبكي ومن جزعت عليه … ناعم في الجنان بين الحور
خالد الذكر في فؤادك حي … ثابت الرسم في النهي والضمير
نائل من جميل ودك أوفى … بر باق براحل مبرور
ما ترى هذه المدامع تغني … من قضاء محتم التقدير
لكن الله شاء للبر خصبا … فسقاه من مائهن الطهور