سلا عنّا المنازلَ لِمْ بَلينا؟ – الشريف المرتضى
سلا عنّا المنازلَ لِمْ بَلينا؟ … ولا سقمٌ بهنّ ولا هوينا
ولمّا أنْ رأينا الدّارَ وَحْشاً … منَ الآناسِ أمْطَرْنا الجفونا
وقفنا نأخذُ العبراتِ منّا … ونُجريهنَّ ما شاؤوا وشِينا
وقال الفارعون منَ الغواني … وداءِ الحبِّ ” إنّ بنا جنونا
كأنَّ عيونَنا فَنَنٌ مَطِيرٌ … تسيّلهُ نعاماهُ فنونا
ومِن قِبَلِ الهَوَادِج يومَ بانوا … رُمِينا بالمحاسنِ إذْ رُمِينا
أخذْنَ قلوبَنا وعَجبن منّا … ونحن بلا قلوبٍ لمْ بقينا ؟
فياللهِ أحداقُ الغوانى … أمَرْنَ بأنْ عَشِقْنَ فما عُصِينا
مَررْن بنا ونحن بغيرِ بَلْوَى … فما جاوَزْنَنا حتى بُلينا
وما زال الهوى حتّى رضينا … بهنّ على الصّدودِ فما رضينا
ولمّا أنْ مَطَلْن وَدِدْتُ أنّي … فدَيْتُ ردى ً نفوسَ الماطلينا
ومِن سَفَهٍ وقوفُك في المغاني … تساءلُ عن فريقٍ فارقونا
سقينا بعد بينهمُ دموعاً … وكفنَ فما وقفن وما روينا
فليت الحبَّ أشعرَ منْ عزيزٌ … عليه أنْ يبين بأنْ يبينا
ولم نرَ من خلال السّجفِ إلاّ … عيوناً فى الوصاوصِ أوْ جبينا
ودِدْتُ وما ودِدْتُ لغير جُرمٍ … وهنّ القالياتُ وما قلينا
ولمّا أنْ مشَيْن أرَيْنَ صُبحاً … دعاصَ الخبتِ يهززن الغصونا
وهان على عيونٍ وادعاتٍ … هجوعاً أنْ نبيتَ مؤرّقينا
وشنباءِ المضاحك من نزارٍ … فقدتُ لحسنِ بهجتها القرينا
منَ الّلائي ادَّرَعْنَ الحسنَ سَهْماً … يصبنَ به صميمَ الدّارعينا
ولولا أنّها سألتْ فؤادى … فجدتُ به لكنتُ به ضنينا
رَمَتْني بالخِيانة ِ في ودادي … وكنتُ على مودّتها أمينا
دعينا أنْ نزوركِ أمَّ عمروٍ … وإلاّ بالزِّيارة ِ واعِدينا
وقد أورثتنى سقماً فإنْ لم … تُداويهِ الغداة َ فعلِّلينا
فكمْ ليلٍ لبستُ به وشاحاً … ذوائبَ من هضيمٍ أو قرونا
عَفَفْتُ وقد قَدَرْتُ وليس شيءٌ … بأجملَ من عفافِ القادرينا
وزَوْرٍ زارني واللّيلُ داجٍ … وقد ملأ الكَرى منّا العيونا
يرينى أنّه ثانٍ وسادى … مُضاجِعُهُ؛ وزُورٌ مايُرينا
نعمتُ بباطلٍ ويودّ قلبى … وداداً لو يكون لنا يقينا
فيا شعراتِ رأسٍ كنّ سوداً … وحلنَ بما جناه الدّهرُ جونا
مشيبكِ بالسّنينَ ومن همومٍ … وليْتَكِ قد تُرِكْتِ معَ السِّنينا
كرهتُ الأربعين وقد تدانتْ … فمنْ ذا لي بردِّ الأربعينا؟
ولاح بمفرقى قبسٌ منيرٌ … يَدُلُّ على مقاتِليَ المَنونا
وإنّى إنْ فخرتُ على البرايا … فخرتُ بمن يبذُّ الفاخرينا
بآباءٍ وأجدادٍ كِرامٍ … كما كانوا على كلِّ البنينا
أَلسْنا أشجَعَ الثَّقَلْينِ طُرّاً … وأوفاهمْ وأجودهمْ يمينا ؟
وأطعمهمْ وأقراهمْ ضيوفاً … وأعطاهُمْ إذا وهبوا الثَّمينا
وأركبهمْ لمعضلة ٍ قموصٍ … تَشامَسُ عن ركوبِ الرَّاكبينا
وأنضرهمْ وأطهرهمْ ذيولاً … وأمضاهمْ وأقضاهمْ ديونا ؟
وإنّا إنْ شهدنا الحربَ يوماً … فَرَيْنا بالسُّيوفِ وما فُرِينا
وإنْ أبصَرْتَنا نحمي حَريماً … رأيتَ الأسدَ يحمين العرينا
فإنْ طلبَ النّدى كنّا بحوراً … وإنْ حذر الرّدى كنّا حصونا
نقود إلى الكريهة ِ كلَّ يومٍ … خيولاً ماونينَ ولا وجينا
وكلَّ مغمّسٍ فى الرّوع يقرى … صفائحَه التّرائبَ والشُّؤونا
يطاعنُ بالرّماحِ فلا يبالى … سَليماً عادَ منها أمْ طَعينا
فإنْ عدّوا خَوَرْنَقَهُمْ عَدَدْنا … لنا البيتَ المحرَّمَ والحَجُونا
وزَمْزَمَ مَوْرِداً تُثْني عليه … إذا وردتْ شفاهُ الواردينا
وجمعاً تلتجى زمراً إليه … لواغبُ يضطربن بلا غبينا
يُخَلْن ضُحى ً وبحرُ الآلِ يجري … سفائِنَ يتَّبعْنَ بنا سَفينا
وخَيْفَ مِنى ً تفاهَقَ وادياهُ … بهاماتِ الرِّجالِ مُلَبَّدينا
فلستَ تَرى بها إلاّ عَقيراً … من الكومِ الذّرا أوْ عاقرينا
وإنْ فخروا بطخفة َ أوْ كلابٍ … فخرنا باللّيالى الغرِّ فينا
بخيبرَ أوْ ببدرٍ أو حنينٍ … وأحدٍ والمنايا يرتمينا
دفعنا عن رسول اللهِ طعناً … وضرباً بالصّوارمِ من لقينا
وقَيْناه ومن يهوى هواهُ … بأسيافِ الجلادِ وما وقينا
بأَبصارٍ تُذَرُّ منَ السَّوافي … فلا تُنحَى ولا تُحدَى ركابي
وأجسادٍ عُرِينَ من المخازي … ومن كرمٍ وخيرٍ ما عرينا
فلا أرماحنا يعرفن ركزاً … ولا الأسيافُ يعرفن الجفونا
وكنّا فى اللّقاءِ وفى عطاءٍ … يضنّ به نجيبُ إذا دعينا
وكم طافتْ بدوحتنا عيونٌ … فلم تَرَ في جوانبها هَجِينا
ألمْ ترَ هذه الأيّامَ عوجاً … موارقَ من أكفِّ الّلابسينا؟
وقد كنَّ الصِّحاحَ بغيرِ داءٍ … فهاهنَّ الصَّحائحُ قد دُوِينا
أُقلِّبُ في الورى قلبي وطَرْفي … فأعجبُ من ضلالِ الحائرينا
عيونٌ عاشياتٌ من هُداها … وقدماً ما كللنَ ولا عشينا
وآراءٌ مضلَّلَة ُ النَّواحي … لُوِينَ عن الإصابة ِ أوْ زُوِينا
وإنّى لو شكوتُ إلى جنينٍ … أشَبْتُ بحَرٍّ شكوايَ الجنينا
” وصمّاءٍ بثثتُ ” لها التّشكى … أهوّنها وتأبى أن تهونا
رأتْ عندي السُّرورَ، ولو بغيري … ألمّتْ ظلَّ مكتئباً حزينا
وظنّوا أنَّها تُفني اصطباري … وشرُّ القومِ أكذبهمْ ظنونا
وقالوا: إنَّها خُطَطٌ صعابٌ … فقلت : نعم ، ولكنْ قد خطينا
ولمّا لم تَنَلْ منّي مَراماً … أحالتْ شامتيها حاسدينا
وكم غُرَّ الرّجالُ فجرَّبوني … فلم أكُ في تجاربِهمْ غَبينا
وقد لمسوا بأيديهمْ صفاتى … فما وَجدوا على الأيّامِ لِينا
جزَى الزَّوراءَ عن مَلَلٍ فإنّي … رأيتُ بها الأذمّة َ ما رعينا
فلا تحنى ولا تحدى ركابى … إليها بالرِّجال متى حُدِينا
فإنَّ محاسناً حُدِّثتُ عنها … وكنّ بها زماناً قد فنينا
وليس لها لأرْوَى غيرُ رسمٍ … وأطلالٍ لنعماءٍ بَلينا
فإنْ تنزعْ نزعتَ لباسَ عزٍّ … وإنْ تلبس لبستَ هناك هونا
وإنْ تنظرُ نظرتَ إلى خطوبٍ … ترقَّصُ عن قلوبِ الشّامتينا
فعدِّ قرارَ عقوتها سليماً … طليقاً كنتَ فيها أم رهينا
وقرِّبْ للنَّجاءِ قَطَاة َ نَهْدٍ … وإلاّ فالعذافرة َ الأمونا
فلا بقيتْ كما نحنُ اللّيالي … وأُبدلنا منَ الرِّيبِ اليقينا
وأَطْلِعْها نُجوماً غارباتٍ … كُشِطْنَ بما نراهُ أو مُحينا
وذَعْذِعْها جهالاتٍ تلاقَتْ … وضعْضِعها ضَلالاتٍ بُنينا