سرى والدجى قد آن منه رحيل – لسان الدين الخطيب
سرى والدجى قد آن منه رحيل … نسيم يتيح البرء وهو عليل
وأدار على الأغصان راح ارتياحه … فغادر أعطاف الغصون تميل
وما كنت أعتاد الصبا قبل خمرة … ولا قلت في الريح الشمال شمول
وأهدى إلى الآناف من نفحاته … لطائم فيها أذخر وجليل
رسائل شكري خط أحرفها الجوى … ومضى على شط الفراق نزيل
أجد ادكار العهد والعهد شاسع … وحل عرى الأجفان فهي همول
وهاج ضراما للتشوق ما خبا … فيا لبليل ثار عنه غليل
وقفنا بربع المالكية بعد ما … تنسم بين قومه ورحيل
رسوم جسوم في رسوم تشابها … كلانا على حكم البعاد نحيل
نكلف رسم الدار رجع جوابنا … وذلك شيء ما إليه سبيل
فيا من رآنا والركاب مناخة … طلول تبكي عهدهن طلول
رعى الله قلبي ما أتم وفاءه … إذا نزحت دار وبان خليل
مقيم على رعي العهود على النوى … كفى القلب ذما أن يقال ملول
خليلي من سلمان بالله ساعدا … فما الخل إلا مسعد ومقيل
ولا تجريا ذكر الفراق فإنه … حديث على سمع الغداة ثقيل
ولا تسألا أن يهمي الغيث بالحمى … فمن مقلتي غيث أجس همول
ألا فابليا فود الفلا بنجائب … لها خبب لا ينقضي وذميل
قلاص براها السير حتى كأنها … خواطر في فكر الفلاة تجول
وراض اعتساف البيد حد شماسها … فأصبح منها الصعب وهو كلول
يلومونني في الحب قومي جهالة … وما كان طبعا فهول ليس يحول
وما زلت مذعق الشباب تمائمي … أدير قداحي في الهوى وأجيل
إذا بارق للثغر يوما أهاب بي … ركبت إليه الخطب وهو جليل
ولجت على الغيران بيت قبابه … وجئت عرين الليث وهو يهول
ولي وطأة فوق الزمان ثقيلة … يطأطىء هديها لها ويميل
أجر رداء العيش والعيش أخضر … وأخشى رماح اللحظ وهو كحيل
وكم ساعة شافهت في موقف النوى … تقبح وجه الصبر وهو جميل
غضضت على التوديع جفني عندها … وفي القلب داء للفراق دخيل
وكم ليلة مزقت جيب ظلامها … وقد سحبت منها علي ذيول
إلى أن تبدى الشيب في مفرق الدجى … وفجر نهر الفجر فهو يسيل
ويوما دعوت الوحش تحت هجيره … وللأسد في ظل القتاد مقيل
إذا زأرت عن جانبي أجابها … رغاء يباري زأرها وصهيل
إلى أن تلقى مغرب الشمس قرصها … كما التهم القرص الرهيف أكول
ولا صاحب إلا سنان وصارم … وعزم بتيسير السبيل كفيل
ووجناء تجني القرب من شجر السرى … قلوص نماها شدقم وجديل
وعاذلة في الجود قلت لها اقصري … رويدك هل نال العلاء بخيل
إذا المرء لم يشر الثناء بما اقتنى … فكل كثير يقتنيه قليل
ولي همة من دونها كل شارق … يرجع عنها الطرف وهو كليل
تقلدني دهري حساما مهندا … له في رقاب الدار عين صليل
وما زال يلقاني في الحوادث ضاربا … فعندي لإحداث الزمان فلول
تغني بأشعاري الحداة إذا سرت … وشدت لها في الخافقين حمول
أبت غير محض العز نفسي فليس لي … بساحة ضيم ما حييت نزول
وكيف بالمام المذلة لامرىء … ومن يمن رهط له وقبيل
إذا العرب العرباء نصت قديمها … ورجع قال عند ذاك وقيل
كفانا افتخارا وانتصارا ونسبة … تتابعة من يعرب وقيول
ذؤابة سلمان وسلمان كندة … وكندة ظل ما أردت ظليل
ستدري عداتي أي ليث حفيظة … أثرن وأيام الزمان تدول
إذا أصبحت خيلي البيوت مغيرة … وفي كل شعب مقنب ورعيل
عذيري من قوم تجيش صدورهم … لهم عن طريق العدل في عدول
إذا قلت غضوا أو إذا لجت أطرقوا … وإن غبت منهم قائل وفحول
عموا عن سنا فضلي فضلوا عن الهدى … هوى النفس قدما للرجال قتول
ومن حسد الشمس المنيرة نورها … ورفعتها في الجو فهو جهول
أبا قاسم خذها إليك كأنها … حسام يروع الناقدين صقيل
أتت كأنابيب القناة بيوتها … لها من قوافيها الحسان نصول
إذا شردت عني القوافي نوازعا … فليس لها إلا لديك حلول
وإن هطلت سحب البيان حوافلا … فليس لها إلا عليك همول
وأنت عمادي واعتدادي ومفزعي … وذخر أماني والحديث يطول
وأنت حسامي كلما جل حادث … أذود به عن حوزتي وأصول
تحامت حماك النائبات وأصبحت … سعودك زهرا ما لهن أفول