زَبَدُ العيونِ السود – عدنان الصائغ

أسبلتْ رِمْشَها الأسودَ

واستسلمتْ مُلتذَّةً – لحُلْمِها

(راقبتُ انكسارَ شفقِ الشرودِ على شحوبِ وجنتيها

راقبتُ وجيبَ أصابعِها على خطوطِ الطاولةِ المتعرّجةِ

راقبتُ…)

انتبهتْ فجأةً لضياعي في شوارعِ عينيها الممطرتينِ

بلا مظلّةٍ ولا هدفٍ…

إلى أين أمضي بقلقي هذا؟

كعلامةِ استفهامٍ حائرةٍ

ولا جملةً على الورقِ

(لماذا هذا الشرودُ المستمرُّ الذي أضبِطُهُ

متلبّساً به كلّما اقتربَ منِّي…؟)

ما الذي أبغي أنا،

وحيداً

أمام هذا المدِّ الأسودِ الشاسعِ

أمواج سوداءُ، سوداءُ

تتلاطمُ ولا قاعَ

تمتدُّ ولا سواحلَ

تسيحُ ولا كُحْلَ

لا نهايات حيثُ تهيمُ النظراتُ، حيث تغرقُ الأحلامُ، حيث ينتهي بياضُ العالمِ البليد

سوداء ، سوداء

أشدّ كثافةً من الليلِ، وأندى من هذا الفاحمِ المُسبلِ على كَتِفَيكِ…

لا سواحلَ..

الجروفُ يأكُلُها زعلُ الأمواجِ

وأنا حزينٌ بلا زورقٍ ولا قصيدةٍ ولا مظلّةٍ

وحيدٌ كرُبَّانٍ فقدَ بوصلتَهُ

ظاميءٌ كغريقٍ

أَتَعَلّقُ برمشكِ الطويلِ

ناسياً اهتزازَه، صعوداً وهبوطاً

عَبَثاً أتشبَّثُ بزوارقِ الذكرياتِ المثقُوبةِ

عَبَثاً أتشبّثُ بعروقِ الكلماتِ

عَبَثاً أتشبّثُ برمشكِ الأسودِ المُضْطَرِبِ

أمواجٌ سوداء ، سوداء …

تتلاطمُ، تصطخبُ.. ثم تهدأُ…

تاركةً زَبَدَ الحنينِ

يغسِلُ الرمالَ وصخورَ الأماني والنسيان

زَبَدٌ، زَبَدٌ، هو كلُّ ما سيبقى لكَ

هو كلُّ ما ستحصدهُ من حديقةِ السرابِ

التي جلستَ على بابها ذاتَ يومٍ تنتظرُ الياسمينَ والأشرعةَ

زَبَدٌ، زَبَدٌ، يا لمواعيدها

زَبَدٌ، زَبَدٌ، كأحلامِكَ المشرّدةِ

تحتَ شُرفةِ عينيها السوداوين

زَبَدٌ، زَبَدٌ، كلُّ ما بَقِيَ بين يديكَ…

أمّا مياه البحرِ فقد تسرَّبتْ من بين أصابعكَ إلى الأبد

لا شيء غير الزَبَدٌ

زَبَدٌ، زَبَدٌ