رمَيْن فؤادي من عيون الوصاوص – ابن الرومي

رمَيْن فؤادي من عيون الوصاوص … بلحظٍ له وقعٌ كوقع المشاقِص

وما اسْتَكْتَمت تلك الوصاوص أوجُها … قِباحاً ولا ألوانَ سودٍ عَنافِص

بل اسْتُودعت ألوانَ بيضٍ هجائنٍ … ذوات نجار صادق العِتق خالص

يصنّ وجوهاً كالبدورِ وضاءة ً … لهنّ ضياءٌ من وراء الوصاوص

قرى ماءَهُ فيهنَّ عشرين حِجة … نعيمٌ مقيمٌ ظِلُّه غيرُ قالص

كأن عيون الناظرين توسّمتْ … بهن شموساً من وراء نشائص

بريئات ساحاتِ المحاسِن مُلسها … كبيض الأداحي لا كبيض الأفاحص

ثقيلات أردافٍ نبيلات أسْوُقٍ … وما شئتَ من قُبِّ البطونِ خَمائص

من اللائي عمّتها المحاسنُ لا الأُلى … محاسِنُها من خلفها في خَصائص

غرائرُ إلا أنهن نوائرٌ … من الوحْش لا يصطادها نبلُ قانِص

يُلاعبن أشباهاً لهن من المها … ذوات سخالٍ بينهن هوابص

ويجْنينَ نُوَّار الأقاحي تعالياً … عن الجانيات الكمْءَ بين القصائص

بمولية ٍ يأوي القطا في جنابها … إلى كالىء المرعى دميث المفاحص

بني مُصعب فزتمْ بكل فضيلة ٍ … وآثرتُم حُسّادكم بالنقائص

إذا عُد قبصُ المجد أضعف قبصكم … على كل قبص في يدي كل قابص

بكم حِيصَ فُتُق الملك بعد اتساعه … ولولاكُم أعيا على كل حائص

تدارك ذاتَ البين إصلاحُ طاهرٍ … وكانت على ظهرٍ من الشر قامص

إذا نظرتْ زُرق الرماح إلى الكُلى … كما نظرتْ زرق العيون الشّواخص

فما حَدُّكم عند اللقاء بناكلٍ … ولا خيلكم عن غمرة بنواكص

بوطئكُم ذلّ العُتاة وأصبحتْ … خدودُ العادي وهي تحت الأخامص

ولمْ لا وفيكم كل فارس بُهمة … يغادر فرسانَ الوغى بالمداحص

ترى خيلهُ علكَ الشكائمِ في الوغى … أجمّ لها من رعيها في الفصافص

بصيرُ سِنان الرمح يرمي أمامه … بطرفٍ له نحوَ المقاتل شاخص

فما يتّقيه العيرُ إلا بفأله … إذا اعتامه للطعن دون النحائِص

أشدُّ من السيل الغَشَمْشَم حملة ً … وأثبتُ من بعض الأسود الرَّهائص

يُسدى وجوهَ الكرِّ في كل مأزق … إذا بعضهم سدّى وجوه المحائص

كأن جيوب الدرع منه مجوبة ٌ … على قمرٍ بدرٍ وليثٍ فُصافص

تظل الأسود الموعِداتُ ببأسها … إذا ما رأته تتقي بالبصابص

يخافُ مُعاديه ويأمنُ جارهُ … كأمن حمام البيت ذاتِ القرامص

مفلَّلُ حد السيف من طول ضربه … قوانس بيض الدّارعين الدَّلامص

على أنه يُمضيهِ ليس بحدِّه … ولكن بعرقٍ مُصْعبيٍّ مُصامص

بأمثاله تَمضي السيوف مضاءَها … وتنفذ أطرافُ الرماح العوارص

وقِدما مضتْ أسيافكم ورماحكم … بأعراقكم دون الظُّبا والمخارص

وفيكم يجورُ الجود قِدما فنحوكُم … تَعاج صدورُ اليَعْمَلاتِ الرواقص

إذا كان أبوابُ الملوكِ مجازنا … فأبوابُكم مُلْقى رجال القلائص

تُناخُ إليكم كل دامٍ أظلّها … فتحْذَى أظلا للحصى جدّ واهص

وفيكم دعاميصُ الهداية كلما … ضللنا وحاشاكمْ صغار الدَّعَامص

تغوصُ على الرأي العويص عقولكم … على حين لا يُرجَى له غوصُ غائص

إذا كان قومٌ في أُمورٍ كثيرة ٍ … رُماة الشَّوى كنتمْ رماة الفرائص

كمُلتمْ فمهما أسأل الله فيكمُ … من الأمر لا أسأله تكميلَ ناقص

ومنكم عبيدُ الله فُتُّم بسعيه … ذوي السعي فوتاً بائصاً أيَّ بائِص

فتى يُلحِم الطير الغِراثَ بسيفه … ويُطعم في الأعوام ذاتِ المخامص

يدرُّ لقاح البأسِ طوراً وتارة ً … يُدرُّ لقاح الجودِ غيرَ شصائص

جبانٌ من السوءات عنهنّ ناكصٌ … ويلقى المنايا مُقدما غيرَ ناكص

شفيقٌ على الأعراض يعلمُ أنها … إذا دُنِّستْ لم يُنقها موصُ مائص

جسورٌ على الأهوال يحسرللقنا … ويدّرعُ المعروف دون القوارص

يظلُّ معاديه وطالبُ رفده … على شرفيْ رفدٍ وموتٍ مُغافص

أبا أحمدٍ أصبحتَ لم تَبقَ رُتبة ٌ … من المجد إلا فُتَّها بمَراهص

فلو فاخرتك الشمسُ أضحت ضئيلة ً … لفخرِك مثلَ الكوكب المتخاوص

أرى كل معلومٍ فبالفحصِ عِلمهُ … وفضلُك معلوم بلا فحص فاحص

فإن لم ير الحسادُ من ذاك ما أرى … فلا نظروا إلا بعُورٍ بخائص

على أنه لولا دواعي مودّتي … رحلتُ ركابي عنك رحلة َ شاخص

فقد أوسعتْ خسفاً وهزلاً وإنما … يُناوصُ نيلَ الخير كل مُناوص

وإن كان رفدُ الناسِ غيرك إنما … يحلُّ إذا حلّت لحومُ الوقائص

أتنقُصُ بي معروفك الصّتَم بعدما … برئتُ من الأفعال ذاتِ المناقص

أُنيلتْ أكف السائليكَ ولم أُنلْ … بنيل ولا خَيصٍ من النيلِ خائص

فما شفّني من ذاك إلا تخوُّفي … عليك بما أوْليتني غمصَ غامص

وفيك بما أوْليتني يا ابن طاهرٍ … مقالٌ لعمري للعدو المُقارص

أثبتني الحرمان ثم قذفْتَ بي … جُفاء من الرُّبان أو ذي عوالص

بنظمي لك الدرّ الثمين قلائدا … وغوصي عليه في عميق المغاوص

وإن رجائي فيك خيَّب نِعمتي … فأضحتْ كإحدى الفاركاتِ النواشِص

وكم نشصتْ من نِعمة ٍ فعطفْتها … على بَعلها حتى غدتْ غير ناشص

أشارَ بإطلاقي يدي فأطعتُه … وما خِفتُ غِشا من صديق مُخالص

فأصبح سِربالي من العيشِ ضيّقا … كهيئة سربالٍ بغير دخارص

وباللهِ إني مما تخامصتُ بادنا … بطينا وكم من بادنٍ متخامص

فلا أكن المُهريقَ فضلة مائهِ … غُرورا برقراقٍ من الآل وابص

ولا تبخسنِّي حق مَدحي فإنني … أرى باخسي سيانَ عندي وباخصي

أيظلمني من ليس في الأرض غيره … إذا نيصَ من ظُلمٍ مَناصٌ لنائص