ذهبت من الغريب بكل مذهب – ابن شهاب
ذهبت من الغريب بكل مذهب … وملت عن النسيب وكان أنسب
ركبت من الحماسة كل صعب … ولم تجنح إلى كنس وربرب
كأنك لم تكن تهوى قديماً … ولم تعكف على طرب فتطرب
تريد تصبّراً فتضيق ذرعاً … وما أنساك أن الطبع أغلب
فكم قد أوقفتك يد التنائي … ذليلاً حيثما العبرات تسكب
ورب مهفهفٍ أقصاك هجراً … ومن بعد البعاد دنا وقرب
أتذكر إذ هصرت بفود سلمى … وكانت من عقاب الجوا صعب
فمالت مثل بدر في ظلامٍ … على غصن على رمل مكثب
ورمت عناقها فبكت دلالاً … وكفكف دمعها الكف المخضب
ولم تلبث بأن أدنت جناها … وأولتك المؤزر والمنقب
وبت ضجيعها في مرط أنس … وأمن لا تلام ولا تؤنّب
فتلثم من شهي الورد طوراً … وطوراً ترشف الراح المحبّب
وقد علقت بثوبك من شذاها … روائح من فتيت المسك أطيب
تنازعك الحديث على خفاء … وقد غفل الرقيب فما ترقب
تقص عليك ما الواشون قالوا … وتعتب أن تذيع ولات معتب
فتنثر من بديع اللفظ درّاً … وتبسم عن برود الثغر أشنب
ولم تمنح سواك سوى نفور … وإعراض وإن كان المهذب
وأنى يطمع العشّاق فيها … ودون مزارها الآمال خيّب
ومن إلاَّك مد فنال شمساً … ببرج الليث في الفلك المحجب
فداها كل غانية عداها … من البين المبرح إذ تنكب
بها وبمثلها فالهج وعرض … وعنها فانظم الدر المثقب
وفي سير الحسان فغن واطرب … فذكرك غيرهن هوى مركب
فكم من مدحة ذهبت ضياعاً … سكبت نضارها وإليك تنسب
ظلمت نفيسها ووضعته في … أسافل لم تكن في الحمد ترغب
كما ظلمت عقود من جمان … إذا ما قلدت في جيد أرنب
بنيت من البديع لهم قصوراً … فهدمها قصورهم وخرب
وشمت بروقهم فظننت ماء … ولم تعلم بأن البرق خلب
إذا ما كان للمدوح مجد … وإلا فالمديح بعينه سب
وحسبك إن من يتلو مديحاً … لهم فهو المكذّب والمكذّب
فبئس القوم لا بطش لديهم … يخاف ولا ندى يرجى ويطلب
شعارهم الملابس والملاهي … وفخرهم المفضض والمذهب
وليس لهم إذا اجتمعوا حديث … سوى ذكرى شهي الأكل والعب
فلا الدنيا صفت لهم فواقاً … ولا حسناتهم في الحشر تكتب
بهم يشقى جليسهم وتبت … يدا من ظل مرتقباً لهم تب
فوا أسفاً على در نفيس … بسوق الجزع أضحى اليوم يجلب
وواعجباً لجهلك كيف كانوا … وجهلهم بما ارتكبوه أعجب
فكنت ظننت شخصاً من بعيد … فخلت من الأسود فبان ثعلب
لرسم الملك يطلب وهو فدم … ضعيف العقل مهما طار أو دب
يصول بغيره ويتيه كبراً … وليس لذاته في الحرب مشرب
ولو لم يستجر بالجار حقاً … لطرده العدو ضحى وعذب
فتلك عصابة السوء التي لم … تجد خيراً بشائبهم ومن شب
شمائلهم فطانة باقل في … شجاعة صافر في عز اشعب
فلا برحوا بسوء ما علمنا … ودام بهم غراب البين ينعب
ولا فتئت يد الأيام نقذي … نواضرهم بكثكثها وتلعب
وترميهم بشر إن أصروا … كما رميت جمار بالمحصب