ذلك كالرزء في الصديق الكريم – جبران خليل جبران
ذلك كالرزء في الصديق الكريم … كان سهما اصابني في الصميم
كان يوم انتويت في مصر والشام … ولبنان يوم حزن عميم
ما دهى الضاد في ابر بنيها … ما دهى الشرق في فتاه العظيم
في الأديب الديب والشاعر الشاعر … والمدره الأريب الحكيم
في الصحافي لم يكن بدعي … والروائي لم يكن بزنيم
علم لم يضر تعدده في … كل وصف بوحدة الأقوم
يا نجي الجمال في مقدس الفن … ومحرابه كنجوى الكليم
أين كاسي البيان من كل ثوب … عبقري وكل لون وسيم
من لذاك النثير في وشيه الرائع … حسنا ومن لذاك النظيم
من لصوغ المبنى البديع وإخراج … المعاني في ذلك التقويم
إن من ذلك القريض لسحرا … ليس بالمفتري ولا الموهوم
هو في كل موطن عربي … طوق ورقائه وقيد الريم
ريض شيطانه فلم يرجم الناس … بسوء ولم يكن برجيم
قل شرواك في الذين عرفنا … من رفيق بالناس أو من رحيم
حظه من سرور من سر فيهم … حظه من سقام كل سقيم
إن أجفت مداده حرقة في النفس … أجرته دمعة من يتيم
خلق نفحة كما نفح الروض … ولطف مروره كالنسيم
فيقل أبلغ المقالة في الدهر … وفي صرفه الأيم الليم
قام عذر الموتور فانهض خطيب الشرق … وازأر زأر الهصور الشتيم
واثر غيهب المداد وارسل … صعقات لها انقضاض الرجوم
هات آياتك الكبار وفيها … للنهي كل مقعد ومقيم
غير أني أراك تأبى على الشدة … بثا لحزنك المكتوم
لا لعي وإنما القول في رزء … كهذا لصامتات الكلوم
نوب الدهر لا ترفه بالبث تاريحها … ولا بالوجوم
وسواء في العجز لولا المداجاة … شكاة الشاكي وكظم الكظيم
لهف نفسي على الشهاب الذي غيب … في الرمس والصديق الحميم
يا جليسي وكنت أي جليس … يا نديمي وكنت أي نديم
من يعاطي السمار بعدك ما كنت … تعاطي من سر بنت الكروم
حرك الشجو في فؤادي شجوا … للأحباء في الزمان القديم
كيف كنا ونحن في ريق العمر … شداد القوى ضآل الجسوم
عصبة من خلاصة النشء لم تفسح … مكانا لغادر أو لئيم
جعلت في اليسير من رزقها حقا … عليها للسائل المحروم
وبلت جور دهرها فرأته … سببا في انتصافها للهضيم
جمعتنا في خدمة الحق ما استطعنا … وأجلل بالحق من مخدوم
نمل الصحف بالثمار الدواني … من مجاني قرائح وعلوم
وتسيل النهار فيها بعذب … من لطاف النطاف أو بحميم
بين جد وبين هزل وفي الحالين … قصد التسديد والتقويم
في سبيل البلاد ننصر من ناصرها … او نرد كيد الخصوم
شد ما سامنا الهوى كل يوم … من دفاع وسامنا من هجوم
نتفانى وما بنا ما نعاني … من شقاء دون النجاح المروم
ونرى في الشباب فضلا به نمزج … بين التحليل والتحريم
بارك الله في الشباب وما في … ذخره من صلابة وعزيم
إن وردنا الحومات تشتعل الأفكار … فينارها الشتعال الهشيم
عرفتنا معاهد اللهو من روادها … الهازئين بالتأثيم
والتقى اليوم صوتنا بصداه … أمس بين التوديع والتسليم
إعذروا فتية الحمى إن يحيدو … حيدة عن صراطه المستقيم
ضلة للذين يبغون منهم … قبل ميعاده كمال الحلوم
فرص العيش للجنود نهاب … قبل يوم معجل محتوم
عصر ساقنا إلى عصر خلف … للذكريات أشجى الرسوم
عاد قرب التخوم بينهما بعدا … وشط المزار بين التخوم
ونزعنا عن الغواية في الغاية … من ظرفها إلى التحليم
فبلغنا مع الكهولة شأنا … لم يكن في حدس ولا تنجيم
صار إلاس قاضيا يرجع القوم … إليه في الحكم والتحكيم
فوزيرا به الوزارة تزهى … فوليا للعلم والتعليم
فلسانا تنضو به ندوة النواب … عضبا في وجه كل غشوم
منصب بعد منصب فاز من طيب … أرزاقه بدر جميم
كيف قصد الجواد والجود طبع … كيف إثراء ذي الضمير القويم
ليس أنكى حالا وأتعب بالا … في اعتقادي من الغنى العديم
أنضب البؤس ذهنه فعراه … شبه عقم ولم يكن بعقيم
أيها العاذلوه شوقا إلى إنشاده … قد يلام غير مليم
لصغار الهموم تقتل في أنفس … أهل النهى كبار الهموم
وإذا عز ما ابتغيت على الأرض … فكيف ابتغاء ما في النجوم
غيه إلياس بعض شأنك مما … ضل فيه السبيل علم العليم
تبلغ الموضع الذي لك فيه … كل غنم وأنت جد غريم
تحمل الضيم غير شاك وإن كان … الأسى منك ماليء الحيزوم
هادئا وادعا كأن جسيم الأمر … إذ تلتقيه غير جسيم
وأبيت التسليم أو يقع الحتف … فذا منك موعق التسليم
يا صفيا رعى ذمام محبيه … وما كان عهده بذميم
إن تفارق فأي ذخر لقوم … صار بعد الحياة بعض الرميم
لم يدع نأيك الوشيك سرورا … ببقاء لألمعي مقيم
قدمتك الدنيا وفي غير هذا الشوط … كنت الجدير بالتقديم
فتبدل من شقوة قد تقضت … ما سيبقى من نضرة ونعيم