ذكْراكَ بِالإِكْبَارِ وَ الإِعْجَابِ – خليل مطران

ذكْراكَ بِالإِكْبَارِ وَ الإِعْجَابِ … تَبْقَى مُجَدّدَةً عَلَى الأَحْقَابِ

عَامٌ تَقَضَّى مُذْ نَأَيْتَ وَلَمْ يَزَلْ … بِعُيونِ مِصْرَ سَنَى الشِّهَابِ الكَابي

عَامٌ بِهِ كَرُّ الزَّمَانِ وَفَرُّهُ … جَازَ الحِسَابَ وَلَمْ يَكُنْ بِحِسَابِ

فَإِذَا الَّذِي عَمَرَ اليَقِينُ فُؤَادَهُ … فِي حَيْرَةِ المُتَرَدِّدِ المُرْتَابِ

أَلْقَى حَوَاصِبَهُ عَلى الدُّنْيَا فَمَا … بَلَدٌ نَجَا مِنْ حَاصِبٍ مُنْتَابِ

طَيْرٌ أَبَابِيلٌ حِجَارَتُهَا اللَّظَى … تَدَعُ القُرَى فِي وَحْشَةٍ وَتَبَابَ

وَتُعَاقِبُ العُزْلَ الضِّعَافَ وَمَا جَنَوا … بِصَوَاعِقٍ لَيْسَتْ بَنَاتِ سَحَابِ

فَالأَرْضُ رَاوِيَةُ الثَّرَى بِدمٍ جَرَى … والدَّمْعُ مَمْزُوجٌ بِكُلِّ شَرَابِ

هَلْ هَذِهِ المَثُلاتُ وَهْيَ رَوَائِعٌ … فِيْهَا لَنَا عِظَةٌ وَفَصْلُ خِطَابِ

مَاذَا نُعِدُّ لِذَوْدِهَا عَنْ حَوْضِنَا … يَكْفِي الدِّعَابُ لاتَ حينَ دِعَابِ

فَلْيَسْأَلِ الأَحيَاءُ مَوْتَاهُمْ فَقَدْ … تَهْدِي فَضَائِلُهُمْ أُوْلِي الأَلْبَابِ

اليَوْمَ تَخْلُو مِصْرُ للذِّكْرى وَكَمْ … ذِكْرَى تُنَفٍُِّ مِنْ كُرُوبِ مُصَابِ

فَتُعِيدُ سِيرَةَ ذلِكَ القُطْبِ الَّذِي … بِجَلالِهِ هُوَ قُدْوَةُ الأَقْطَابِ

حَمَلَ الأَمَانَةَ وَهْيَ جِدُّ ثَقِيلَةٍ … وََعِتَابُ مُودِعِهَا أَشَدُّ عِتَابِ

وَمِنَ الأَمَانَةِ مَا يُنَاءُ بِعِبْئِهِ … وَيَزِيدُ حَزْمَ الشَّيْخِ عَزْمَ شَبَابِ

أَيُّ الرِّجَالِ سِوَى ابْنِ بَجْدَتِهَا لَهَا … وَسبيلُهَا مَحْفُوفَةٌ بِعِقَابِ

لَبَّى مُحَمَّدُ إذْ دَعَتْهُ بِلاَدُهُ … طَوْعاً لِحُكْمِ وَفَائِهِ الغَلاَّبِ

وَرِيَاسَةُ الوُزَرَاءِ هَلْ تَحْلُو وَمَا … مَنْ سُؤْرِهَا فِي الكَأْسِ غَيْرُ الصَّابِ

كَانَتْ وَكُلُّ الأَمْرِ مُسْتَعْصٍ بِهَا … وَالسَّيْرُ بَيْنَ مَخَارِمٍ وَشِعَابِ

فَنَضَا لَهَا الرأْيَ النَّزِيْهَ عَنْ الهَوَى … وَمَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ نُورُ صَوَابِ

مُسْتَكْمِلُ الأَخْلاَقِ للعَلْيَاءِ فِي … دَرَجَاتِهَا مُسْتَكْمِلُ الآدَابِ

يَقِظٌ لِكُلِّ جَلِيلَةٍ وَدَقِيقَةٍ … حَذِرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ بِالهَيَّابِ

ومُجَامِلٌ يَرْعَى بِمَا فِيهِ الرِّضَى … كُلاً عَلى قَدَرٍ وَلَيسَ يُحَابِي

فِي أَيِّ وَقْتٍ لَمْ يَطُلْ وَكَأَنَّهُ … عُمْرٌ طَوِيلُ الهَمِّ وَالأَوْصَابِ

وَهَبَ المُحِبُّ قُوَاهُ وَهْي مُضَنَّةٌ … لِلّهِ دَرُّ الحُبِّ مِْ وَهَّابِ

لِرِخَاءِ أُمَّتِهِ وَعِزَّةِ جَيْشِهَا … لَمْ يَدَّخِرْ سَبَباً مِنَ الأَسْبَابِ

فَإِذا المَعَاضِلُ وَاجِدَاتُ حُلولَهَا … وَإِذَا المَضَايِقُ وَاسِعَاتُ رِحَابِ

وَإِذَا الْحَيَاةُ تَعُودُ ذَاتَ بَشَاشَةٍ … وَالبُؤْسُ يَنْظُرُ كَاشِرَ الأَنْيَابِ

يَا مَنْ نَأَى عَنْ مِصْرَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَى … ثُكْلٍ وَمَا فِي الثُّكْلِ مِنْ أَحْزَابِ

مِنْ بَدْءِ عَهْدِكَ مَا فَتِئْتَ مُكَافِحاً … تَطَأُ الصِّعَابَ بِعزْمِكَ الوَثَّابِ

وَعَلَى التَّنَوُّعِ فِي اتِّجَاهِكَ لَمْ تَرِمْ … مَسْعَاكَ مُتَّصِلٌ وَشَأْنُكَ رَابِ

تَبْكِي المَكَارِمُ أَرْيَحِيَّتَكَ الَّتِي … كَانَتْ تُحَقِّقُ أَنْبَلَ الآرَابِ

تَبْكِي مَبَاني البِرَّ أَسْمَحَ مَنْ بنَي … لِلْبِرِّ وَالحَاجَاتُ جِدُّ رِغَابِ

تَبْكِي صُرُوحُ العِلْمِ خَيْرَ مُوَطِّيءٍ … أَكْنَافَهَا لِمَطَالِبِ الطُّلاّبِ

يَأْسَى البَيَانُ وَأَيُّ خَطْبٍ خَطْبُهُ … في أبْرَعِ الخُطَبَاءِ وَالكُتَّابِ

تَأْسى النِّيَابَةُ أَنْ تَبِينَ وَكُنْتَ مِنْ … حُصَفَائِهَا وَثِقَاتِهَا الصُّيَّابِ

تأْسَى الرِّيَاسَةُ أَنْ تُزَايِلَهَا وَلَمْ … تَتَقَضَّ حَاجَتُهَا لِغَيْرِ إِيَابِ

أَنْجَزْتَ فِي الدُّنْيَا كِتَابَكَ مُعْجَلاً … وَحَمَلْتَ لِلْعُلْيَا أَبَرَّ كِتَابِ

فَأَصَبْتَ فِي الأُولى أَعزَّ كَرَامَةٍ … وأَصَبْتَ في الأُخرى أَجَلَّ ثَوَابِ