دَين الأحياء – إبراهيم ناجي

دَينٌ . . . وهذا اليومُ يومُ وفاءِ … كم منَّةٍ للميْتِ في الاحياءِ

إن لَم يكن يُجزَى الجزاءَ جميعَه … فلعلَّ في التذكار بعضَ جزاءِ

يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها … مستوحشاً في غربةٍ وتنائي

هل كنتَ قبلاً تستشفّ سكونَها … وترى مقامَك في العراء النائي

فأتيتَ والدنيا سرابٌ كلها … تروي حديثَ الحبِّ في الصحراءِ

ووصفتَ قيساً في شديدِ بلائه … ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ

ظمآن حين الماء ليلى وحدُها … عزَّت عليه ولَم تُتح لظماءِ

هيمان يضرب في الهواجر حالماً … بظلال تلك الجنة الفيحاءِ

فاذا غفا فلطيفها، وإذا هفا … فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ

يا للقلوب لقصةٍ بقيت على … قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ

هي قصةُ الطيف الحزين، وصورةُ … القلب الطعين، مجللاً بدماءِ

هي قصةُ الدنيا، وكم من آدم … منا له دمعٌ على حوّاءِ

كل به قيسٌ إذا جنَّ الدجى … نزع الإباءَ وباح بالبرحاءِ

فاذا تداركه النهارُ طوى المدا … معَ في الفؤاد وظُنَّ في السعداء

لا تعلم الدنيا بما في قلبه … من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاء

كلٌّ له “ليلى” ومن لَم يَلقها … فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ

كلٌّ له “ليلى” يرى في حبها … سرّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ

ويرى الأماني في سعير غرامها … ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ

الكونُ في احسانها والعمرُ عند … حنانها، والخلدُ يومُ لقاءِ

يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ … لم تُروَ إلاَّ روِّحَتْ ببكاءِ

خلُدت على الدنيا وزادت روعةً … ممّا كساها سيدُ الشعراءِ

خلدتْ على الدنيا وزادت روعةً … من جودة التمثيل والإلقاءِ

من فنّ (زينبها) ومن (علاّمها) … زين الشباب وقدوةِ النبغاء