خفضتُ لعزة ِ الموتِ اليراعا – أحمد شوقي

خفضتُ لعزة ِ الموتِ اليراعا … وجَدَّ جلالُ مَنْطِقِهِ، فراعا

كفَى بالموتِ للنُّذُرِ ارتجالاً … وللعَبَراتِ والعِبَرِ اختراعا

حكيمٌ صامتٌ فضَح الليالي … ومَزَّق عن خَنا الدنيا القِناعا

إذا حضر النفوسَ فلا نعيماً … ترى حولَ الحياة ِ ولا مَتاعا

كشفتُ به الحياة َ فلم أَجِدْها … ولمحة َ مائها إلا خداعا

وما الجرّاحُ بالآسي المرجَّى … إذا لم يقتل الجثثَ اطِّلاعا

فإن تَقُل الرِّثاءَ فقُلْ دموعاً … يُصاغ بهنّ، أَو حِكَماً تُراعَى

ولا نكُ مثلَ نادبة ِ المسجَّى … بَكت كَسْباً، ولم تَبْكِ الْتِياعا

خلتْ دولُ الزمانِ وزلنَ ركناً … وركنُ الأرض باق ، ما تداعى

كأنّ الأرضَ لم تشهدْ لقاءً … تكاد له تميدُ ، ولا وداعا

ولو آبتْ ثواكلُ كلِّ قَرْنٍ … وجَدْنَ الشمسَ لم تَثْكَل شُعاعا

ولكن تضرب الأمثالُ رشداً … ومنهاجاً لمن شاءَ اتِّباعا

ورُبّ حديثِ خيرٍ هاجَ خيراً … وذكرِ شجاعة ٍ بعث الشُّجاعا

معارفُ مصرَ كان لهنَّ ركنٌ … فذُقْنَ اليومَ للركنِ انصِداعا

مضى أَعْلى الرجالِ لها يميناً … وأرحبهم بحلَّتها ذراعا

وأكثرهم لها وقفاتِ صدقٍ … إباءً في الحوادث أَو زَماعا

أتتهُ فنالها نفلاً وفيئاً … تنقل يافعاً فيها وكهلاً

… ومن أسبابها بلغَ اليفاعا

فتى عجمتْه أحداثُ الليالي … فلا ذلاً رأين ، ولا اختضاعا

سَجَنَّ مُهنَّداً، ونَفَيْن تِبْراً … وزِدْنَ المسك من ضغْطٍ فضاعا

شديدٌ صُلَّبٌ في الحق حتى … يقولَ الحقُّ : ليناً وائِّداعا

ومدرسة ٍ سمتْ بالعلم ركناً … وأنهضتِ القضاءَ والاشتراعا

بناها محساً بالعلم برًّا … يشيد له المعالمَ والرباعا

وحاربَ دونها صرْعَى قديمٍ … كأَنّ بهم عن الزمنِ انقطاعا

إذا لمحَ الجديدُ لهم تَوَلَّوْا … كذي رَمَدٍ على الضوءِ امتناعا

أخا سيشيلَ ، لا تذكرْ يحاراً … بَعدنَ على المزار ولا بقاعا

وربِّك ما وراءَ نَواكَ بُعدٌ … وأنتَ بظاهر الفسطاطِ قاعا

نزلتَ بعالمٍ خرق القضايا … وأصبح فيه نظمُ الدهرِ ضاعا

فخلِّ الأربعين لحافليها … وقُمْ تَجِد القرونَ مرَرْنَ ساعا

مرضتَ فما ألحّ الداءُ إلاَّ … على نفسٍ تعِّودت الصِّراعا

ولم يكُ غيرَ حادثة ٍ أصابت … مُفلِّلَ كلّ حادثة ٍ قِراعا

ومَنْ يتجرَّع الآلامَ حياً … تَسُغْ عند المماتِ له اجتراعا

أرقتَ ، وكيف يعطى الغمض جفنٌ … تَسُلُّ وراءَه القلبَ الرُّواعا

ولم يَهدَأْ وسادُك في الليالي … لعلمك أنْ ستفنيها اضطجاعا

عَجِبْتُ لشارحٍ سببَ المنايا … يسمِّى الداءَ والعللَ الوجاعا

ولم تكن الحتوفُ محلَّ شكٍّ … ولا الآجالُ تحتملُ النزاعا

ولكنْ صيَّدٌ ولها بزاة ٌ … ترى السّرطان منها والصُّداعا

أَرَى التعليم لمّا زلت عنه … ضعيف الركنِ ، مخذولاً ، مضاعا

غريقٌ حاولت يَدُه شِراعاً … فلمّا أوشكتْ فقد الشراعا

لقد نسَّاه يومك ناصباتٍ … من السّنوات قاساها تباعا

قُم ابنِ الأُمَّهاتِ على أَساسٍ … ولا تبيِ الحصونَ ولا القلاعا

فهنَّ يلدن للقصبِ المذاكي … وهنَّ يلدن للغابِ السِّباعا

وَجدْتُ مَعانيَ الأَخلاق شتَّى … جمعهن فكنَّ في اللفظ الرّضاعا

عَزاءَ الصابرين أَبا بهِيٍّ … ومثلُك مَنْ أَناب ومَنْ أَطاعا

صبرتَ على الحوادث حين جلَّتْ … وحينَ الصبرُ لم يكُ مستطاعا

وإن النفسَ تهدأُ بعدَ حينٍ … إذا لم تلقَ بالجزع انتفاعا

إذا اختلف الزمانُ على حزينٍ … مضى بالدمع ، ثم محا الدِّماعا

قُصارَى الفَرْقَدَيْنِ إلى قضاءٍ … إذا عثرا به کنفصَما اجتماعا

ولم تَحْوِ الكِنانة آلَ سعدٍ … أشدَّ على العدا منكم نباعا

ولم تحمِل كشيخكمُ المُفدَّى … نهوضاَ بالأمانة ِ واضطلاعا

غداً فَصْلُ الخِطابِ، فمَنْ بَشيرِي … بأنّ الحقَّ قد غلب الطّماعا ؟

سَلُوا أَهلَ الكِنانة ِ: هل تداعَوْا؟ … فإن الخصمَ بعدَ غدٍ تداعى

وما سعدٌ بمتَّجرٍ إذا ما … تعرَّضت الحقوقُ شَرَى وباعا

ولكنْ تحتمِي الآمالُ فيه … وتدَّرِعُ الحقوقُ به ادِّراعا

إذا نظرَتْ قلوبُكُمُ إليه … علا للحادثات وطال باعا