حتى متى الرجعى إلى الغفار – ابن شهاب

حتى متى الرجعى إلى الغفار … وإلى متى التسويف بالأعذار

وعلام تحجم أن تتوب فينمحي … درن الذنوب بماء الاستغفار

يا هل لنفس السوء عن إيغالها … في مهمة العصيان من زجار

حادت عن السنن القويم وقصرت … عن واجبات أوامر الجبار

فتنت بجمع الفانيات وحبها … ولهت بزخرف وشيها الغرار

تنساب في شهواتها من غير ما … نظر إلى النفاع والضرار

واستبدلت بتلاوة القرآن نقر … الطار والأوتار في الأسمار

لم يثنها عن سوء عاداتها مشيب … الرأس بل ركنت إلى الإصرار

وإذا استقامت للفروض تكاسلت … عمّا يناط بها من الأذكار

وإذا أتت عملاً حميداً مرة … بالعجب تفسده والاستكبار

أين التضرّع والتذلّل والخضوع … وأين دمع الخاشعين الجاري

كيف الخلاص وما الوسيلة للنجاة … سوى الحبيب المصطفى المختار

نور الإله نجيه في عرشه … غوث الخليقة غيثها المدرار

نعم الملاذ بسيد الكون العريض … الجاه ثم بحضرة المحضار

عمر الذي بجنابه يستنجد الغرقى … فينقذهم بإذن الباري

ان يستجر بحماه من عصفت به … ريح الخطوب وزعزع الأخطار

يدركه أسرع ما يكون ممزقا … سحب الكروب وعاصف الأعصار

أوتاه حيران ولاذ به اهتدى … بضياء ذاك الكوكب السيّار

مبدي العجائب في جهاد النفس … من صمت ومن جوع ومن إيثار

صوم الهواجر دابه والجد في … سهر الدجى وتبتّل الأسحار

الواسع العلم اللدني المحيط … بمضمرات الأطلس الدوار

الراسخ القدمين وهو القائد الحزبين … أهل القرب والأبرار

وعليه برد جلالة ومهابة … يعنو لها متمرد الكفار

وله الخوارق والكرامات التي … فصمت عرى الرهبان والأحبار

ظهرت ظهور الشمس رابعة النهار … منيرة في شاسع الأقطار

أنّى تعد وكيف تحصى كثرة … أيعد طش هواطل الأمطار

فله التصرف في الوجود منفذا … ما شاءه بمشية القهّار

أله نواميس الطبيعة سخرت … أم طاوعته سوابق الأقدار

وبلا يزال العبد أعدل شاهد … بالحق يخرس ألسن الانكار

وبرب أشعث تضمحل وتنمحي … شبه الجحود ووقفة المحتار

والحس يشهد أن للمحضار آيات … يراها الناس بالأبصار

الوارث القطبية الكبرى عن … المختار ثم وصيّه الكرّار

وعن الشهيدين اللذين تكفل الباري … لجدّهما بأخذ الثار

وعن الأئمة فالأئمة والنجوم … الزهر من آبائه الأطهار

من كل طود أو خضم زاخر … أو كوكب في الأفق سام ساري

حتى انتهت أحوالهم وعلومهم … وجميع ما حملوا من الأسرار

كسباً وإرثاً للخليفة بعدهم … عمر الشْجاع الفارس المغوار

حمّال أثقال الأمانة كافل … بوظيفة التبشير والإنذار

فاضت على الجم الغفير هباته … ومن البحار مشارع الأنهار

وبسرّه المكنون أسرى في جبين … العيدروس سواطع الأنوار

ورقى به الشيخ العليّ ذرى العلا … وبأوجها ألقى عصا التسيار

ولنا به آل الشهاب تعلق … ورعاية محمودة الآثار

وعناية الآباء يالأبناء لا … تنفك عند تقلب الأطوار

يا رافع الأعلام يا من جاهه … عند المهيمن شامخ المقدار

أدرك حماك مدينة الأجداد من … مرض سرى في الدار والديار

فتريم أضحت غير ما غادرتها … بتكاثر الأغرار والأغيار

وطريقة الأسلاف فيها أصبحت … مهجورة الإيراد والإصدار

وتكاد تعزب عن ربها دولة … العلم الشريف بصولة الدينار

طمعت بمنصبها الضرائر إذ رأت … ما نابها والنور غير النار

وإلى اجتماع سراتها لصلاحها … لم يلف من داع ولا أمّار

فاضرع لربك أن يعيد لها الذي … فقدت فتصبح مطمح الأنظار

قم يا شجاع الدين واجبر صدعها … عار عليك وقوعها في العار

حرمتها وضمنت أمن ربوعها … يا كعبة الحجاج والزوار

فرض حمايتها عليك كما وعدت … وأنت سلطان الحماة الجار

فاهزم بخيل الله خيل من اعتدى … واحم الذمار بمجرك الجرار

وارفع أذى متمردي جيرانها … الغاوين واقطع شأفة الأشرار

وعليك بعد المصطفى وأخيه … والزهراء والحسنين صلّى الباري

والعترة الأطهار أقمار السرى … ومهاجري الأصحاب والأنصار