حبَّذا الساحة ُ والظلُ الظليلْ – أحمد شوقي

حبَّذا الساحة ُ والظلُ الظليلْ … وثناءٌ في فَمِ الدارِ جميلْ

لم تزلْ تجري به تحت الثَّرى … لُجَّة المعروفِ والنَّيْلِ الجزيل

صنعُ إسماعيلَ جلَّتْ يدهُ … كلُّ بُنيانٍ على الباني دليل

أَتُراها سُدَّة ً من بابه … فتحتْ للخير جيلاً بعدَ جيل ؟

ملعبُ الأيلمِ ، إلاَّ أنَّه … ليس حظُّ الجدِّ منه بالقليل

شهدُ الناسُ بها “عائدة ً” … وشجى الأجيالَ من “فردي” الهديل

وائتنفنا في ذراها دولة ً … ركنها السؤددُ والمجدُ الأثيل

أَينعتْ عصراً طويلاً، وأَتَى … دونَ أن تستأنفَ العصرُ الطويل

كم ضفرنا الغارَ في محرابها … وعقدناه لسبّاقٍ أَصيل

كم بدورٍ ودِّعتْ يومَ النَّوى … وشموسٍ شيِّعتْ يومَ الرحيل

رُبَّ عُرسٍ مَرَّ للبِرِّ بها … ماج بالخيرِ والسمحِ المنيل

ضحكَ الأيتامُ في ليلته … ومشى يستروحُ البرءَ العليل

والتقى البائسُ والنُّعمى به … وسعى المأوى لأبناءِ السبيل

ومن الأَرض جَدِيبٌ ونَدٍ … ومن الدُّور جوادٌ وبخيل

يا شباباً حنفاءً ضمهمْ … منزلٌ ليس بمذمومِ النزيلْ

يصرِفُ الشبان عن وِرْدِ القَذَى … ويُنحِّيهِمْ عن المَرْعَى الوَبيل

اذهبوا فيه وجِيئوا إخوة ً … بعضكم خدنٌ لبعضٍ وخليل

لا يضرنَّكمو قلَّته … كلُّ مولودٍ وإن جلَّ ضئيل

أَرجفتْ في أَمركم طائفة ٌ … تبَّعُ الظنِّ عن الإنصاف ميل

اجعلوا الصبرَ لهم حِيلَتكم … قلَّتِ الحيلة ُ في قالَ وقيل

أيريدون بكم أن تجمعوا … رقَّة َ الدين إلى الخلقِ الهزيلِ ؟

خَلَتِ الأَرضُ من الهَدْي، ومن … مرشدٍ للنَّشءِ بالهديِ كفيل

فترى الأسرة َ فوضى ، وترى … نشأً عن سنَّة ِ البرِّ يميل

لا تكونوا السَّيْلَ جَهْماً خَشِناً … كلَّما عبَّ ، وكونوا السلسبيل

ربَّ عينٍ سمحة ٍ خاشعة ٍ … رَوَّت العُشْبَ، ولم تنسَ النخيل

لا تماروا الناسَ فيما اعتقدوا … كلُّ نفسٍ بكتابٍ وسبيل

وإذا جئتم إلى ناديكمُ … فاطرحوا خلفكمو العِبْءَ الثقيل

هذه ليْلَتُكم في الأُوبِرا … ليلة ُ القدرِ من الشهر النبيل

مهرجانٌ طوَّف الهادي به … ومشى بين يديه جبرئيل

وتجلتْ أوجهٌ زيَّنها … غررٌ من لمحة ِ الخير تسيل

فكأن الليلَ بالفجرِ انجلى … وكأن الدارَ في ظلِّ الأصيل

أَيها الأَجوادُ لا نجزيكمُ … لذَّة ُ الخيرِ منَ الخيرِ بديل

رجلُ الأُمّة ِ يُرجَى عندَه … لجليل العملِ العونُ الجليل

إم داراً حُطتمُوها بالنَّدى … أخذتْ عهدَ النَّدى ألاَّ تميل