جَبرَ الْقُلُوبَ مُقِيلُكَ الْجَبَّارُ – خليل مطران

جَبرَ الْقُلُوبَ مُقِيلُكَ الْجَبَّارُ … وَجَلا قُطُوبَ الريْبِ الاِسْتِبْشَارُ

إِنْهَضْ كَمَالَ الدِّينِ تَرْعَاكَ الْعُلى … وَيَحُفُّكَ الإِجْلالُ وَالإِكْبَارُ

أَيُهَاضُ عَظْمُكَ إِنهَا لَعَظِيمَةٌ … نَزلَتْ وَأَرْزاءُ الْكِبَارِ كِبَارُ

إِنْ عُطِّلَ السَّعُي الأَصِيلُ هُنَيْهَةً … أَغْنَاكَ مِنْ لُطْفِ الْقَدِيرِ معارُ

فِي الطِّبِّ آيَاتٌ تُرِينَا فَضْلَ مَا … يَمْحُو الْحَلِيمُ وَيُثْبِتُ الْقَهَّارُ

تِلْكَ الْعَزِيمَةُ لا تَزالُ كَعَهْدِهَا … وَكَمَا يُحِبُّ المُقْدِمُ الْكَرَّارُ

وَإِذَا مَرَاحِلُكَ الْبَعِيدَةُ أُرْجِئَتْ … لَمْ يُرْجَأْ الإِيرَادُ وَالإِصْدَارُ

سَلِمَتْ نُهَاكَ وَدَامَ فِي تَصْرِيفِهَا … مَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْحِمَى وَفخَارُ

كمْ فِي مَآثِرِكَ الجَلائِلِ شاِفعٌ … بِشَفاِئكَ اتَّضَحَتْ لَهُ آثارُ

جُودٌ كَجُودِ أَبِيكَ لمْ يُعْلَنْ وَكمْ … سُدِلَتْ عَلى حُرَمٍ بِهِ أَسْتَارُ

وَتَمَاسَكتْ فِي الْبَأْسِ أَرْمَاقٌ بِهِ … وَنَجَتْ مِنَ الْبُؤْسِ المُبِيدِ دِيَارُ

فَالْيَوْمَ هَاتِيكَ النُّفُوسُ تَفَتَّحَتْ … بِشْراً كَمَا تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ

سُمِعَتْ ضَرَاعَتُهُنَّ فِيكَ وَلُبِّيَتْ … بِالبُرْءِ أَدْعِيَةٌ لَهُنَّ حِرَارُ

مَوْلايَ لا ضَيْرٌ عَلَيْكَ فَإِنَّهُ … مَا ضَارَهَا أَنْ تُحْجَبَ الأَقْمَارُ

لَيْسَ الرِّجَالُ مِنَ الْعَثَارِ بِمَأْمَنٍ … هَيْهَاتَ يُؤْمَنُ فِي الْحَياةِ عَثَارُ

وَكَأَنَّمَا الأَخْطَارُ أَعْلَقُ بِالأُولى … فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَهُمْ أَخْطَارُ

أَوَ مَا نَرَى شُهُبَ السَّمَاءِ كَأَنَّهَا … أُكَرٌ بِهَا تَتَلاعَبُ الأَقْدَارُ

لِلّهِ فِي نُوَبِ الْحَوَادِثِ حِكْمَةٌ … ليْسَتْ تُحِيطُ بِكُنْهِهَا الأَفْكَارُ

بِالأَمْسِ تَنْشُدُ فِي المَهَامِهِ رَوْعَةً … عَذْرَاءَ لَمْ تَسْتَجْلِها الأَبْصَارُ

تَرْتَاضُ أَوْ تَرْتَادُ كُلَّ دَغِيلَةٍ … كَمَنَتْ بِهَا الأَنْيَابُ وَالأَظْفَارُ

وَلَقَدْ تَزُورُ بِهَا مُلُوكَ سِبَاعِهَا … ولَقدْ تُنَاجِزُهَا وَما لَك ثارُ

وَلَقدْ تَبِيتُ وَلسْتَ مِنْهَا فِي قِرىً … وَحِيَالَ رَكبِكَ لا تُشَبُّ النَّارُ

بِالأَمْسِ تطْوِي فِي المَوَامِي مَجْهَلاً … لا يَسْتَبِينُ لِخَابِطِيْهِ مَنَارُ

لِلْعِلْمِ فِيهِ خَبِيئَةٌ مَظنُونَةٌ … حالَتْ مَهَامِهُ دُونَهَا وَقِفارُ

مِمَّا تَخَلَّفَ مِنْ صَحائِفِ بَاحِثٍ … أَرْدَتْهُ مَسْبَغَةٌ بِهَا وَأُوارُ

تَمْضِي فَتَطْلُبُهَا بِحَيْثُ تعَسَّفَتْ … فِيهَا الرُّوَاةُ وَطَاشَتِ الأَخْبَارُ

حتَّى ظَفِرْتَ بِهَا وَقَلْبُكَ مُلْهَمٌ … كَشَفَتْ موَاقِعَهَا لَهُ الأَسْرارُ

بِالأَمْسِ تَقْحُمُ لوبِيا ورِمَالُهَا … وَعْثاءُ لاَ نَجَعٌ وَلا آبَارُ

مُسْتَهْدِياً تِيهَ الْفَلا مُسْتَطْلِعاً … مَا تُضْمِرُ الأَنْجادُ وَالأَغْوارُ

تَغْزُو وَفتَّاحُ المَغَالِقِ مِنْ أُولِي … عِلْمٍ وَفَنِّ جَيْشُكَ الْجَرَّارُ

فَإِذَا الْفِجَاجُ وَلا يُحَدُّ لَها مَدىً … صُوَرٌ وَجُمْلةُ حَالِهَا أَسْطَارُ

وَإِذَا حَقِيبَتُكَ الصَّغِيرَةُ تَحْتَوِي … ذُخْراً تَضَاءَلُ دُونَهُ الأَذْخَارُ

سِفْرٌ إِلى العِرْفَانِ أَهْدَى طُرْفَةً … لَمْ تُهْدِهَا مِنْ قَبْلِهِ الأَسْفَارُ

أَسْرَفْتَ مَا أَسْرَفْتَ فِي إِعْدَادِهِ … حتَّى تَجاهلَ قَدْرَهُ الدِّينارُ

بِالأَمْسِ فِي أَقْصَى الجِوَاءِ مُشَرِّقاً … وَمُغَرِّباً تَنْأَى بِكَ الأَسْفَارُ

وَتَكَادُ لاَ تَخْفى عَلَيْكَ خَفِيَّةٌ … قَرُبَتْ بِهَا أَوْ شَطَّتِ الأَقْطَارُ

كَالْكَوْكَبِ السَّيَّارِ مَا طَالَعْتَهَا … وَأَخُوكَ فِيهَا الْكَوْكَبُ السَّيَّارُ

عَجَباً سَلِمْتَ وَلَمْ تَسُمْكَ أَذَاتَهَا … بِيدٌ رَكِبْتَ مُتُونَهَا وَبِحَارُ

فَإِذَا أَتَيْتَ الدَّارَ وَهْيَ أَمينَةٌ … لَمْ تَدْفَعِ المَحْذُورَ عَنْكَ الدَّارُ

أُحْجِيَّةٌ لِلْخَلْقِ لَمْ تُدْرَكْ وَمَا … فَتِئَتْ تُحَاجِيهِمْ بِهَا الأَدْهَارُ

مهْمَا يَكُنْ مِنْهَا فإِنَّكَ لمْ تَخَلْ … أَنَّ الصُّرُوفَ يَرُدُّهُنَّ حِذارُ

وَحَيِيتَ تَعْبَثُ فِي مُدَاعَبَةِ الرَّدَى … وتَبَشُّ إِذْ تَتَجَهَّمُ الأَخْطَارُ

وتَكادُ عِزّاً لاَ تَرَى فَوْقَ الثَّرَى … حَظّاً عَلَى مَا نِلْتَهُ يُخْتَارُ

أَلتَّاجُ بَعْدَ أَبِيكَ قَدْ آثَرْتَهُ … بِالطَّوْعِ مِنْكَ لِمَنْ لَهُ الإِيثَارُ

هُوَ تَاجُ مِصْرَ وَمُلْكَ فِرْعَونَ الَّذِي … بِالْيُمْنِ تَجْرِي تَحْتَهُ الأَنْهَارُ

يَأْبَى التَّشبُّه بِالدَّرَارِيءِ دُرُّهُ … وَكَأَنَّ نُورَ الشَّمْسِ فِيهِ نُضَارُ

إِنْ تَمْضِ فِي الْعَلْيَاءِ نَفْسٌ حُرَّةٌ … فَهُنَاكَ لا حَدٌّ وَلا مِقْدَارُ

أَشْهَدْتَ هَذَا الْعَصْرَ مِنْ تَصْعِيدِهَا … فِي المَجْدِ مَا لَمْ تَشْهَدِ الأَعْصَارُ

لا بِدْعَ أَنْ تُلْفَى بِجَأْشٍ رَابِطٍ … وَالسَّاقُ تُبْتَرُ وَالأَسَاةُ تَحَارُ

أَللَّيْثُ يَزْأَرُ إِنْ أَلَمَّ بِهِ الأَذَى … وَسَكَنْتَ لا بَثٌّ وَلا تَزْآرُ

لوْ فِي سِوَاكَ شَهِدْتَ مَا كَابَدْتَهُ … لَمْ يَعْصِ جَفْنَكَ دمْعُهُ المِدْرَارُ

لَكِنْ صَبَرْتَ لِحُكْمِ رَبِّكَ مُسْلِماً … وَعرَفْتَ أَنَّ الْفَائِزَ الصَّبَّارُ

مَوْلايَ بُرْؤُكَ كَان يُمْناً شَامِلاً … قُضِيَتْ لأَوْطانٍ بِهِ أَوْطارُ

فَإِذَا أَصَابَتْ مِصْرُ حَظاً وَافِراً … مِنْهُ أَصَابَتْ مِثْلَهُ أَمْصَار

فَاهْنأْ بمُؤْتَنَفِ السَّلامَةِ لا تَلا … إِقْبَالَ دَهْرِكَ بَعْدَهَا إِدْبَارُ