تَظلَّمَ شِعري إلى القاسم – ابن الرومي

تَظلَّمَ شِعري إلى القاسم … فأعْدَى على الزمنِ الغاشمِ

تطوَّلَ حتى توهمتُهُ … يُطاولُ بدْرَ بني هاشم

ونوَّلَ حتى لقد خِلُتهُ … يُساجلُ فيَّ أبا القاسم

فتًى نال عافُوهُ مَرْضاتَهُمْ … فجلَّ على مَرْغمِ الراغم

نُطيفُ ببَحْرٍ لهُ زاخرٍ … ونأوِي إلى جبلٍ عاصم

بناهُ الإله لنا مَعْقِلاً … بناءَ المُخلِّدِ لا الهادم

هو الدهر مُصْغٍ إلى سائلٍ … وليسَ بِمُصْغٍ إلى لائم

تظلُّ يداه يديْ غارمٍ … وبَهْجَتُهُ بهجة َ الغانم

وما غارمٌ حَصَّلَتْ كفُّهُ … له الحمدَ والأجرَ بالغارم

وما تستفيقُ يدا قاسمٍ … كأنَّ يديْهِ يدا عائم

يحاذر إنْ وَنَتَا طَرْفة ً … حذارَ امرىء ٍ حازمٍ عازمِ

ويرهب أحدوثة َ الباخلي … نَ في أزمة ِ الزَمنِ الآزم

ومَنْ كفَّ مِنْ زَمنٍ عارمٍ … تسلَّمَ مِنْ زَمنٍ عارمِ

وليستْ بسيِّدِنا خُلَّة ٌ … تُخَوِّفُهُ العَذْمَ من عاذم

لقد نَصَّهُ اللَّهُ في مَنْصبٍ … سليمٍ من الذامِ والذائم

فلا عيبَ فيه سوى نائلٍ … يراهُ المُنَوِّلُ كالحام

يظلُّ يرى حقَّهُ باطلاً … أطافَ خيالاً على نائم

فلا انْفَكَّ تالِفَ أموالهِ … وقاءً على عِرْضِهِ السالم

ولا زال غيثاً على سائلٍ … مُحِقٍّ وغيظاً على ناقم

فما تاجرٌ باعهُ حَمْدَهُ … بِمُحتقبٍ حَسْرَة َ النادم

وإني وقدْ آب لا خائباً … ولا حاملاً ثقَلَ الآثم

فلا يتوهَّمْ أخو شُبْهة ٍ … فلمْ يَبْقَ وهْمٌ على واهم

عجبتُ لمَنْ حَزْمُهُ حزمُهُ … تكونُ يداه يدَيْ حاتم

عجبْتُ لمن جودُهُ جودُهُ … تكونُ له عُقدة ُ الحارمِ

عجبتُ لِمَنْ حِلمُهُ حلمُهُ … تكونُ له صَوْلة ُ الصّارم

عجبت لمن حَدُّهُ حَدُّه … تكون له رأفة ُ الراحم

أرى كلَّ ضِدٍّ إلى ضِدِّهِ … من الخير في طبعه السالم

إليكمْ جُفاة َ العلى إنَّني … دُفعْتُ إلى مُفضلٍ عالم

يُضيء بيوم لهُ شامسٍ … ويسقي بيومٍ له غائمٍ

يقولُ فيروِي صدَى جاهلٍ … ويُعطي فيروي صدى حائم

قراني قِرَى غيرَ ما عاتم … وليس قِرَى السَّمحِ بالعاتم

قراني لُهًى وقراني نُهى ً … فلستُ لرِفدَيْنِ بالعادم

فما لمديحي من خاتمٍ … وما لعطاياه من خاتم

فتًى لا يُذَمُّ بجودِ المُضِي … عِ كلاَّ ولا بخلِ النادم

ألا أجرِ مدحكَ في قاسم … فما لحروفِكَ من جازم

أمُسْتَكْتِمِي قاسمٌ عُرْفَهُ … أبيْتُ على المُحْسِنِ الظالم

كريمٌ أسرَّ إليَّ الغِنى … وما أنا للْعُرْفِ بالكاتم

وهَبْني كتْمتُ أتخفى له … بروقُ نداه على الشائم

ووسْمُ اليسارِ على موسرٍ … وسِيما النعيمِ على ناعم

أقاسِمُ ياقاسمَ المُنْفسا … تِ لا زلتَ في جَذلٍ دائم

مدحتك مدحة لا باخسٍ … ثناءَكَ حقّاً ولا زاعم

فساجلتُ شيْخَ بني تَغلبٍ … وساجلتُ شيخَ بني دارم

أُجَهِّزُ فيك جميلَ الثنا … إلى حافظٍ وإلى آقم

وحسبي معانيكَ من جَوْهرٍ … وحسبُكَ عبْدُكَ مِنْ ناظمِ

ولم أر مثلكَ مِنْ سيِّدٍ … وكم لك مِثْليَ من خادمِ

فلا زلتَ غيثاً على سائلٍ … ولا زلتَ غيظاً على راغم

وإن كنتَ أعقبتني جفوة ً … وما أنا والله بالجارم

وراعيتَ غيري وأغفلتني … خلافاً لميزانِكَ القائم

وليستْ بحاليَ من مُسْكة ٍ … وإن جَمْجَمَتْ سكتة ُ الكاظم

أبى ذاك أنكُمُ مُعْشَرٌ … مناعيشُللرازحِ الرازم

وأنْ ليس للداءِ داءِ الفقي … رِ غيرُكُمُ الدهرَ من حاسمِ

ومن تُسْلِموهُ لأيّامِهِ … ففي شظفِ لازبٍ لازم

أمِنْ بَعْدِ منزلة المُطْعِمي … نَ أعْدِمْتُ منزلة َ الطاعم

أمْنْ بَعْدِ منعي حريمَ المَضِي … مِ أسلمتموني إلى الضائم

فلانتْ قناتي للغامزي … نَ وارْفَتَّ عُوديَ للعاجم

أَلَمْ أك في أُفقٍ مُسْفِرٍ … فماليَ في أُفقٍ قاتم

ألمْ أكُ جذلان في ظلكم … فماليَ في مَقْعَد الواجم

إلى عدلكَ المُشْتَكَى كُلُّهُ … فحَسْبي بعدْلِكَ من حاكم

وإني لأظلمُ إذْ أشتكي … وعدلُكَ كالكوكبِ الناجم