تزمُّ غداً للظاعنينَ الركائبُ – الباخرزي

تزمُّ غداً للظاعنينَ الركائبُ … فتحدى وتخدي بالنجاءِ النجائبُ

ويُوحشُ مَغْنى الحَيِّ غِبَّ ارتحالِهِمْ … كما أوحشتْ بعدَ العقودِ التّرائبُ

وتَبقى الأثافي كـالحمائـمِ رُكّداً … نأتْ دونَها الأوكارُ فهْيَ غَرائبُ

أو الكبدُ الحَرَّى يقطِّعُ جُرمَهـا … ثلاثة َ أجزاءٍ جوى ً متراكبُ

ستعطفُ قوس النوى فدى مثلها … وللوجدِ في قَلـبي سِهـامٌ صَوائبُ

وتكتمُ أطلالَ الدِّيارِ مِـنَ النّوى … نوائبُ تفشي سرهنَّ النواعبُ

وتبكي على ما فاتَ من بردِ ظلِّـها … شَوادٍ سَخيناتُ العيونِ نَوادبُ

كما ادَّرعتْ زِيّ الحـداد ثواكـلٌ … تلوت على اعناقهنَّ الذوائبُ

وربَّ نهارٍ للفراقِ أصيله … ووَجْهـي، كلا لونيهِـما متناسبُ

فدَمعي وشَخصي والمَـطيُّ مُقطّـرٌ … وقلبي وقرصُ الشمسِ والهمُّ واجب

ظلِلتُ بـه أُحصي كواكبَ أدمُعي … وفي مثلِ ذاكَ اليومِ تُحصى الكواكبُ

فمَن عاذِري مِن غـائبٍ وخيالُه … إذا خاطَ جفني النومُ أو غابَ آيبُ

تدرَّعَ سربـالَ الدُّجى وكأنّما … على وجنته رونقُ الصبح ذائبٌ

ولم يكُ يرعاهُ سوى أخواته … عنيتُ دَراري النُّجومِ مُراقب

فما زلتُ منهُ واصلاً وهْوَ هـاجرٌ … وغازلتُ منهُ حـاضراً وهـو غائِبُ

له اللهُ من طيفٍ يزورُ وبينهُ … وبيني رمالٌ جمة ٌ وسباسب

فللِكُدْرِ في أَطرافهِنَّ مشاربٌ … وللعُفْرِ في أَكنافهِنَّ مسَارب

هو البدرُ تهديهِ الكواكب نحونا … كما البدرُ تهدينا إليهِ الغياهبٌ

يُنزَّهُني في رَقدتي وهو وافِدٌ … ويوحِشُني في يَقظّتي وهْوَ ذاهِبُ

فإِن سُدَّ منه مِنخرٌ جاشَ منخرٌ … وإن سرَّ منهُ جانبٌ ساءَ جانب

كما غرَّ بالنارِ الكذوب وميضها … عيونَ البرايا خلبٌ أو حباحبُ

كذلكَ دأبُ الدهرِ لم يصفُ موردٌ … منَ العيشِ إلا كدرتهُ شوائبُ

قضى جائراً حتى اشرأبت مناسمٌ … إلى حيثُ شاءت واطمأنت غوارب

وصادَ العقابَ الصعوُ فاقتاتَ شلوهُ … وصالَ على أسدِ العَرينِ الثّعالب

وعندكَ ممّا أنشأتهُ خَواطِري … غرائـبُ فيها للرواة ِ رَغائب

فطوراً بها في السّلم تُجلى عرائسٌ … وطوراً بها في الحربِ تُزجى كَتائب

وإن امراً عطشانَ وافاكَ شائماً … حياكَ لمدلولٌ على الماءِ قارب