ترحلَّ من وادى الأراكة ِ بالوجدِ – محمود سامي البارودي

ترحلَّ من وادى الأراكة ِ بالوجدِ … فَبَاتَ سقِيماً لا يُعِيدُ، وَلاَ يُبْدِي

سقيماً تظَلُّ العائداتُ حوانياً … عليهِ بإشفاقٍ ، وإن كانَ لا يجدى

يَخَلْنَ بِهِ مَسّاً أَصَابَ فُؤادَهُ … وليسَ بهِ مسٌّ سوَى حرَقِ الوَجدِ

بِهِ عِلَّة ٌ إِنْ لَمْ تُصِبْهَا سَلاَمَة ٌ … مِنَ اللَّهِ كَادَتْ نَفْسَ حَامِلِهَا تُرْدِي

وَمِنْ عَجَبِ الأَيَّامِ أَنِّيَ مُولَعٌ … بِمَنْ لَيْسَ يَعْنِيهِ بُكَائِي وَلاَ سُهْدِي

أَبِيتُ عَلِيلاً في «سَرَنْدِيبَ» سَاهِراً … أُعَالِجُ مَا أَلْقَاهُ مِنْ لَوْعَتِي وَحْدِي

أدورُ بعينى لا أرَى وَجهَ صاحبٍ … يَرِيعُ لِصَوْتِي، أَوْ يَرِقُّ لِمَا أُبْدِي

وممَّا شجانى بارِقٌ طارَ مَوهناً … كَمَا طَارَ مُنْبَثُّ الشَّرَارِ مِنَ الزَّنْدِ

يمزِّقُ أستارَ الدُّجُنَّة ِ ضَوءُ هُ … فَيَنْسِلُهَا ما بَيْنَ غَوْرٍ إِلى نَجْدِ

أَرِقتُ لهُ ، والشُّهبُ حيرَى كليلة ٌ … مِنَ السَّيْرِ، وَالآفَاقُ حَالِكَة ُ الْبُرْدِ

فبِتُّ كأنُّى بينَ أنيابِ حَيَّة ٍ … مِنَ الرُّقْطِ، أَوْ فِي بُرْثُنَى ْ أَسَدٍ وَرْدِ

أقلِّبُ طرفى ، والنُّجومُ كأَنَّها … قَتيرٌ مِنَ الياقوتِ يلمعُ فى سَردِ

ولا صاحبٌ غيرُ الحسامِ منُوطَة ٌ … حمائلهُ منِّى على عاتقٍ صَلدِ

إذا حرَّكتهُ راحتى لِمُلمَّة ٍ … تَطَلَّعَ نَحْوِي يَشْرَئِبُّ مِنَ الْغِمْدِ

أَشَدُّ مَضَاءً مِنْ فُؤادِي عَلَى الْعِدَا … وَأَبْطَأُ فِي نَصْرِي عَلَى الشَّوْقِ مِنْ «فِنْدِ»

أَقولُ لهُ والجفنُ يَكسو نِجادهُ … دُمُوعاً كَمُرْفَضِّ الْجُمَانِ مِنَ الْعِقْدِ

لقد كنتَ لى عوناً على الدَّهرِ مَرة ً … فَمَا لِي أَرَاكَ الْيَوْمَ مُنْثَلِمَ الْحَدِّ؟

فقالَ إذا لَم تستطِع سَورَة َ الهوى … وَأَنْتَ جَلِيدُ الْقَوْمِ، مَا أَنَا بالْجَلْدِ

وَهَلْ أَنَا إِلاَّ شِقَّة ٌ مِنْ حَدِيدَة ٍ … أَلَحَّ عَلَيْهَا الْقَيْنُ بِالطَّرْقِ وَالْحَدِّ؟

فَمَا كُنْتُ لَوْلاَ أَنَّنِي وَاهِنُ الْقُوَى … أُعلَّق فى خيطٍ ، وأحبسُ في جلدِ

فدونكَ غيرى ، فاستَعنهُ على الجوى … ودعنى منَ الشكوى ، فداءُ الهوى يعدى

خَليلَى َّ هذا الشوقُ لا شكَّ قاتلى … فمِيلا إلى ” المقياسِ ” إن خفتما فقدى

ففِى ذَلكَ الوادى الَّذى أّنبتَ الهوى … شِفَائِيَ مِنْ سُقْمِي، وَبُرْئِيَ مِنْ وَجْدِي

ملاعبُ لهوٍ ، طالما سِرتُ بينَها … على أثَرِ اللَّذاتِ فى عيشة ٍ رَغدِ

إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ سَالَتْ مِنَ الأَسَى … معَ الدَّمعِ ، حَتَّى لا تُنَهنَهُ بالرَدِّ

فَيَا مَنْزِلاً رَقْرَقْتُ ماءَ شَبيبَتِي … بِأَفْنَائِهِ بَيْنَ الأَرَاكَة ِ والرَّنْدِ

سرَت سحَراً فاستَقبلتكَ يدُ الصبا … بِأَنْفَاسِهَا، وَانْشَقَّ فَجْرُكَ بِالْحَمْدِ

وزرَّ عليكَ الأُفقُ طوقَ غمامة ٍ … خضيبة ِ كفِّ البرقِ حنَّانة ِ الرعدِ

فلستُ بناسٍ ليلة ً سلفَت لَنا … بِوَادِيهِ، والدُّنْيَا تَغُرُّ بِمَا تُسْدِي

إِذَا الْعَيْشُ رَيَّانُ الأَمَالِيدِ، والْهَوَى … جَدِيدٌ، وَإِذْ «لَمْيَاءُ» صَافِيَة ُ الْوُدِّ

مُنَعَّمة ٌ ، لِلبدرِ ما فى قِناعها … وَلِلْغُصْنِ ما دَارَتْ بِهِ عُقْدَة ُ الْبَنْدِ

سَبَتنى بعينها ، وقالت لِتِربها … أَلاَ مَا لِهَذَا الْغِرِّ يَتْبَعُنِي قَصْدِي؟

وَلَمْ تَدْرِ ذَاتُ الْخَالِ وَالْحُبُّ فَاضِحٌ … بأنَّ الَذى أخفيهِ غيرَ الذى أُبدى

حَنَانَيْكِ، إِنَّ الرَّأْيَ حَارَ دَلِيلُهُ … فَضَلَّ، وعادَ الْهَزْلُ فِيكِ إِلَى الْجِدِّ

فَلاَ تَسْأَلِي مِنِّي الزِّيَادَة َ في الْهَوَى … رُويداً ، فهذا الوجدُ آخرُ ما عندِى

وَهَا أَنَا مُنْقَادٌ كَمَا حَكَمَ الْهَوَى … لأَمركِ ، فاخشى حرمة َ اللهِ والمجدِ

فَلو قلت قُم فاصعَد إلى رَأسِ شاهقٍ … وَأَلْقِ إِذَا أَشْرَفْتَ نَفْسَكَ لِلْوَهْدِ

لألقيتها طوعاً ، لَعلَّكِ بعدها … تَقُولِيْنَ: حَيَّا اللَّهُ عَهْدَكَ مِنْ عَهْدِ

سجيَّة ُ نفسٍ لا تخونُ خليلَها … ولا تَركبُ الأهوالَ إلاَّ على عمدِ

وإنِّى لمقدامٌ على الهولِ والردى … بنَفسى ، وفى الأقدامِ بالنَفسِ ما يُردى

وإنى لقوالٌ إذا التبسَ الهُدى … وجارَت حُلومُ القومِ عن سننِ القصدِ

فإن صُلتُ فدَّانى الكمِى ُّ بنفسهِ … وإن قلتُ لبَّانى الوليدُ منَ المهدِ

وَلِي كُلُّ مَلْسَاءِ الْمُتُونِ غَرِيبَة ٍ … إِذَا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لِذِكْرِ بَنِي سَعْدِ

أَخَفُّ عَلَى الأَسْمَاعِ مِنْ نَغَمِ الْحُدَا … وأَلطفُ عندَ النَّفسِ مِن زمَنِ الوَردِ

مُخَدَّرَة ٌ تَمْحُو بِأَذْيَالِ حُسْنِهَا … أساطيرَ مَن قبلى ، وتُعجِزُ من بَعدى

كذلِكَ إنِّى قائلٌ ثُمَّ فاعلٌ … فعالى ، وغيرى قَد يُنيرُ ولا يُسدى

التعليقات 1
Mohamed
30/12/2023 pm 02:39

Nice job