تدانى فحيى عابرا وتناءى – جبران خليل جبران
تدانى فحيى عابرا وتناءى … شبيها بطيف في الغداة تراءى
برغم أولي الألباب عجل بينه … وكان لهم ذخرا وكان رجاء
أتاح زماني مرة أن رأيته … ولم يولني بعد اللقاء لقاء
فما راعني إلا فتى في إهابه … شهدت معا شيخوخة وفتاء
أطيلت بعثنون أسالة وجهه … وفي محجرية كوكبان أضاء
تضاءل مرمى ظله من نحوله … وطبق آفاقا سنى وسناء
وفي صدره بحر من العلم لم يضق … به ذلك الصدر الصغير إناء
يحدث في رفق وليست أناته … تثبط عزما أو تعوق مضاء
عكوف على التحصيل من كل مطلب … يلم به مهما يسمه عناء
جنى الروض ما تجري يراعته به … فيحلو شرابا أو يطيب غذاء
وما ثقف الألباب مثل بيانه … وما شرف الآداب والأدباء
يغوص على الدر البعيد مكانه … فيجلوه للمستبصرين جلاء
ويبحث عما يفقد الجهل أهله … فيهدي إليهم زينة وثراء
ويحرق ألا يغمط الفضل حقه … ويعدم بين العالمين جزاء
فإن يذكر الفضل الذي فيه يعتذر … كأن به من أن يذاع حياء
أأنسى لإسماعيل ما عشت منة … أفدت بها أحدوثة وبقاء
حباني بها قبل التعارف مضفيا … علي بما لا أستحق ثناء
وقد عاق شكري عنه فرط احتشامه … فهل مجزيء شكر يجيء رثاء
وهيهات أن يوفى بشعر جميله … ولو كان ديوانا لقل وفاء
ألا أيها الغادي وليس بآسف … ولا متقاض لوعة وبكاء
ترفعت عن أن تقبل الضيم صابرا … على زمن أحسنت فيه وساء
وجنبك العيش احتقار لشأنه … إذا ما غدا فيه العفاف عفاء
مكانك في الدنيا خلا غير أنه … مليء النواحي عزة وإباء
ببينك مختارا صدمت عقيدة … وأوقعت حكما حير الحكماء
وكنت على يسر الأمور وعسرها … تنير بعالي رأيك الحصفاء
فغالبك الطبع العيوف على الحجى … وأصدر من قبل القضاء قضاء
أمن خطل طرح الإناء وما به … من السؤر لم يطهر وقل غناء
وهل ترتضي نفس العزيز إقامة … على ذلة والداء عز دواء
إذا هان في حب الحياة هوانها … فليس لأرض أن تكون سماء
قرارك ولترع الخلائق سمعها … مصاقعها الهادين والسفهاء
ستبقى لنفع الناس صحف تركتها … ولن يذهب الإرث النفيس جفاء
وتذكرك الأوطان يوم فخارها … إذا ذكرت أفذاذها النبغاء
وإني لمحزون عليك وجارع … ثمالة كأسي حسرة وشقاء
أقول عزاء الآل والصحب والحمى … ولي ولأمثالي أقول عزاء
فرابطة اسمينا أراها قرابة … وأعتدها فوق الإخاء إخاء