بُشرى يقومُ لها الزّمانُ خطيبا – لسان الدين الخطيب
بُشرى يقومُ لها الزّمانُ خطيبا … وتأرَّج الأفاقُ منها طيبا
هذا طلوعُ فتوحِكَ الغرِّ التي … ما كانَ طالعُ سعدِها لِيغيبا
أظهرْتَ دينَ الله في ثُغْر العِدا … وقَهَرْت تمثالاً به وصليبا
وذعرْتَ بالجيش اللُّهام بلادَها … ملء الفضا ملأَ القلوبَ وجيبا
جيشٌ يرى تعبَ المفاوِزِ راحة ً … والسَّهلَ صعباً والبعيدَ قَريبا
شَرِقت ثغورُ الدين منهُ بغُصَّة ٍ … ولقينَ منه حوادثاً وخُطوبا
ومتى سَرْت للمُسْلمينَ سرية ٌ … أبدى لها التَّحذيرَ والتَّأليبا
حتى إذا استشْرى وأعضَلَ داؤُه … شَكَتِ الثغورُ به فكُنْت طَبيبا
وإذا أرادَ الله بُرء زمانة ٍ … لم تعْدُ ميقاتاً لها مكْتوبا
لله يومُ الفتحِ منه فإنَّه … يومٌ على الكفار كان عَصيبا
فتحٌ تفتَّحت المنى عن زهرِهِ … وافترَّ ثغر الدَّهر عنه شنيباً
حفَّت به راياتُك الحُمرُ التي … قادتْ إليه قبائلاً وشعوبا
وتعلَّقت بهم الرجالِ بصورِهِ … فتخالُ في شُرفاتهِ يَعسوبا
وحفَتْ به عوجُ القسيِّ ضلوعَها … تغتالُ فيه جوانِحاً وقُلوبا
فكأنَّما قُزحٌ حنتْ أقواسَهُ … أيدي الغمامِ وأمطرَت شُؤبوبا
ورَأى المنيَّة ربُّهُ وهفا إلى … طلبِ الأمانِ فقيلَ لا تثريبا
وإذا أمرؤٌ ألقى إليك قيادَهُ … ورجاكَ أدركَ حِلمَك الموهوبا
من بعْدِ ما قعَدَتْ به أنصارُهُ … رهباً وأبصرَ وعدهُمْ مكذوبا
وتبلْبَلَت بالليلِ ألسُنُ نارِهِ … تصِلُ الصُّراخ فما لقينَ مجيبا
ولو أنهم جاشوا إليكَ وجمَّعوا … أقصى تُخومهمُ صباً وجَنوبا
غادوْتهُم صرعى على عفرِ الثرى … وملأتَ أرضهُمُ بُكاً ونَحيبا
وتركْتَ كلَّ مثقفٍ متقصِّدا … فيهم وكل مهندٍ مخضوبا
بعصابَة ٍ يمنيَّة مهما انتمتْ … في العُرب كان لها الحُسامُ نَسيبا
ألبسْتَ ملكَ الرومِ عارا باقياً … وكسوتَ غمَّا وجههُ وقُطوبا
فاستقبِلِ الملكَ المؤيّدَ خالداً … والدهر غضا والزمانَ قشيبا
واهنأ أبا الحجاجِ بالفتح الذي … يُهدي إليك من الفُتوح ضُروبا
وانعم بموقعِهِ الجميلِ فإنه … يُشَجي عدوا أو يسرُّ حبيبا
والدَّهر محتفِلٌ لملككَ محتفٍ … يُبدي على أثرِ العجيبِ عجيبا