بنات الدهر عوجي لا تهابي – جبران خليل جبران
بنات الدهر عوجي لا تهابي … خلا الوادي من الأسد الغضاب
هنا روض فلا باليت فيها … بقايا الروع من غبرات غاب
كأني بالخطوب العفر أضحت … سواخر من مناقشة الحساب
وبالأرزاء بعد الجد أمست … من الإزراء تقتل بالدعاب
مهاترة من الأيام تبكي … بغيري أن يصابرها وما بي
حماة الحي أزمعتم سراعا … وبكرتم تباعا بالذهاب
نواكم أرخص العبرات حتى … ليبخل باذل الدر المذاب
نحييكم وما فينا مداج … ونحمدكم وما فينا محاب
سلام في مراقدكم عليكم … وحسبكم القديم من العذاب
سوى أنا متى اشتدت فراعت … ولم تثبوا جهرنا بالعتاب
نعاتبكم ونعلم لو ملكتم … سبقتم كل داع بالجواب
على أنا نحسب لكم قلوبا … خوافق من أسى تحت التراب
بعهد الرفقة الأبرار أمسوا … وهم في ذمة الصم الصلاب
علي ألا تقول اليوم شيئا … وهذا يوم فصل في الخطاب
ألست الواقف الوقفات ردت … شبا الشبهات عن كبد الصواب
ومرت بالحقود فشردتها … وعادت بالحقوق إلى النصاب
علي ألا تذوذ اليوم ضرا … مضرى بالوثوب والانتياب
فتثلم عزمه كالعهد حتى … يفيء على يديك إلى متاب
بذاك الذابل الخطي مما … تخط به العظائم في كتاب
بذاك العامل الغلاب بأسا … على لين به عند الغلاب
يمج أشعة تدعى بنقس … كنور الشمس يدعى باللعاب
سناه مرشد السارين كاف … مغبات الضلال والارتياب
فقد تنجو السفين من ارتطام … إذا بصرت وتهلك في الضباب
لحقت برهطك الأخيار تثوي … كمثواهم من البلد اليباب
فإن تبعد وقد بعدوا جميعا … فإن مصابنا فوق المصاب
برغم المجد أن وليت عنا … صريعا لم تجز حد الشباب
وكنت بقية الأبدال فينا … وكان عليك تعويل الصحاب
إذا استعدت على الآفات مصر … فقد نصرت برواض الصعاب
برأي منك نفاذ ذكي … فجائي كمنقض الشهاب
يظل الليل منه وقد توارى … إلى أمد به أثر التهاب
وكنت المرء حق المرء عقلا … وآدابا وأخذا باللباب
صدوق العزم لا تبغي طلابا … وترجع دون إدراك الطلاب
لطيفا في التماس القصد حتى … لتشتبه المضايق بالرحاب
شديد البطش خشية غير خاش … أيرهب غير ذي ظفر وناب
حياتك كلها جهد ومجد … بمعترك انتساب واكتساب
تجل على الكوارث وهي تطغى … كفلك خف في ثقل العباب
إذا لم يبتلعه الموج عادى … به بين الغيابة والسحاب
تكافحه الغداة بلا تراك … وهمك صاعد والموج راب
إلى أن يبلغ الجوزاء وثبا … فتبلغها على متن الحباب
فما هو بين نفسك في علاها … ودار الخلد غير ولوج باب
كذاك أجزت عن كثب إليها … فكانت آية العجب العجاب
قرارا أيها العاني وطيبا … بما آتاك ربك من ثواب
فإن تتوار عنا في حجاب … فمعنى النور في ذاك الحجاب
سواك غيابه داج ولكن … لك الشفق المقيم مدى الغياب