بلوتُ هذا الدَّهرَ أطوارهُ – مهيار الديلمي
بلوتُ هذا الدَّهرَ أطوارهُ … على َّ طوراً ومعي تارهْ
وبصَّرتني كيفَ أخلاقهُ … تجاربٌ كشَّفنَ أخبارهْ
فصرتُ لا أنكرُ أحلاءهُ … يوماً ولا أنكرُ أمرارهْ
لا هو أنْ شدَّ رأى كاهلي … رخواً ولا نفسي خوَّاره
ولا تصِّباني منْ سلمهِ … زخارفٌ للعينِ غرَّارهْ
منْ عاذري منهُ على أنَّني … ضرورة ً أقبلُ أعذارهُ
دعهُ وبتْ منهُ على نجوة ٍ … خائفة ِ الرَّقبة ِ حذَّارهُ
واسلمْ فما تسلمُ منْ جورهِ … إلاَّ إذا ما لمْ تكنْ جاره
تنقُّلي يا ركبَ العيسِ بي … منجدة ً يوماً وغوَّاره
لا خطرَ الضِّيمُ ببالِ امرئٍ … وأنتِ بالبيداءِ خطَّارهُ
قدْ بنتِ البيداءُ بي جالساً … أرجو الأماني وهي غدَّاره
أظلمُ نفسي بينَ أبنائها … والنَّفسُ لا تظلمُ مختاره
ويطَّبيني وطنٌ تربهُ … مستعبدٌ يلفظُ أحراره
وكمْ ترى تسحرني بابلٌ … وبابلٌ بالطَّبعِ سحَّاره
إنْ كنتَ يا قلبي منِّي فلا … تخدعكَ منها هذه الشَّاره
أولى بمنْ تحملهُ قدرة ً … فراقُ منْ تجهلُ مقداره
لا شمتُ بروقَ الهونِ في دوركمْ … والعزِّ في الأبرقِ والدَّاره
اللهُ لي منتصفٌ منْ أخٍ … يكيلني بالعرفِ إنكاره
يحمي لساني أبداً عرضهُ … ويبتغي في عرضي الغاره
أعفُّ عنْ جمَّتهِ مفعماً … تناهزُ الورَّادَ تيَّاره
ولا يراني ناسياً عهدهُ … إن غاضَ أو كابدَ إعساره
فليتهُ صانَ مكاني كما … صانَ على البذلة ِ ديناره
لولا بنو أيَّوبَ لولاهمُ … ما وجدَ المظلومُ أنصاره
قومٌ إذا استنجدتهمْ لم أخفْ … سهماً ولو ناضلني القاره
وبتُّ فيهمْ حيثُ لا يؤكلُ ال … جارُ ولا تنتهكُ الجاره
البيتُ لا ينكرُ طرَّاقه … واللَّيلُ لا يعدمُ سمَّاره
والجفناتُ الغرُّ يسنى لها … كلِّ غضوبِ الغلى غدَّاره
ترى الجذورَ العبلَ في قلبها … أعشارهُ تلعنُ جزَّاره
إن صمَّ عنكَ النَّاسُ أو غمَّضتْ … في الخطبِ عينٌ وهي نظَّاره
فتحتَ منهمْ في مغاليقه … أسماعَ ذا الدَّهر وأبصاره
نموا شهاباً منْ أبي طالبٍ … خيراً وبثَّ اللهُ أنواره
والأفقُ العلويُّ إنْ غوَّرتْ … شموسهُ أطلعَ أقماره
قصَّ حديثَ المجدِ عنهمْ فتى ً … يصدِّقُ السُّوددُ أخباره
وبرَّزوا سبقاً ولكنَّهمْ … لم يدركوا في المجدِ مضماره
ناصى عميدُ الرؤساءِ العلا … والنَّاسُ يقتصُّونَ آثاره
وطالتَ النَّجمَ بهِ همَّة ٌ … تقضي منَ الغاياتِ أوطاره
أبلجُ ودَّ البدر لو صيِّرتْ … لوجههِ عمَّتهُ داره
مولَّهُ المجدِ لم يكترثْ … إقلالهُ المالَ وإكثاره
كفتْ بهِ القدرة ُ لما سطتْ … أيدٍ مع القدرة ِ جبَّاره
سالمهُ واحذر صافيا ماءهُ … وهجهُ واحذر صاليا ناره
إنْ نامَ راعَ السَّرحَ في الأمنِ لم … يكحلْ بطعمِ النَّومِ أشفاره
ولمْ تكنْ سلَّتهُ نهزة ً … يطمعُ فيها الذئبُ أظفاره
أو شرعوا في الشَّرِّ عافتْ لهُ … نفسٌ بفعلِ الخيرِ أمَّاره
كفى الإمامينِ بتدبيرهِ … مخاوفَ الخطبِ وأخطاره
واستسبغا منْ رأيهِ نثلة ً … ضافية َ الأذيلِ جرَّاره
حلَّتْ عن الماضي فعادتْ يدُ ال … باقي بها تعقدُ أزراره
قامَ بأمرِ اللهِ مستخلفٌ … كنتَ لجرحِ الدِّينِ مسباره
أرهفَ منْ نصحكَ صمصمامة ً … بيضاءَ مثلَ البدرِ نيَّاره
أُخرستْ الفتنة ُ عنْ ملكهِ … بالأمسِ والفتنة ُ نعَّاره
وزارة ٌ حصَّنتَ أمواله … فيها كما حصَّنتَ أسراره
فابلغْ به أقصى المنى مثلما … بلَّغهُ سعيكَ إيثاره
واستخدمْ الأيَّامَ نفاعة ً … تجري بما شئتَ وضرَّاره
لا يرفعُ الإقبالُ مستقبلاً … غطاءهُ عنكَ وأستاره
يزيركَ النَّيروزُ في روضة ٍ … من مدحي أحسنَ زوَّاره
غنَّاءَ شقَّ الشِّعرَ ثرثاره … لها وأجرى الفكرُ أخطاره
مقيمة ٌ عندكَ لكنَّها … بعرفها في الأرضِ سيَّاره
تحققتْ بالكلمِ الفصلِ فال … ملكُ لها والنَّاسُ نظَّاره
تشربُ من حوضِ المعاني وما … تفضلُ للواردِ أسآره
وهي مع الإفراطِ في حبِّكمْ … حاملة ٌ للهجرِ صبَّاره
تنسى وتقصى غيرَ منسيَّة ٍ … وهي مع الإعراضِ ذكَّاره
تحنُّ للجافي وتحنال لُل … مقصِّرِ المهملِ أعذاره
يقنعها الإنصافُ لو أنصفتْ … وتطلبُ المالَ وإكثاره
حظُّكَ منها صفوُ سلسالها … إنْ رنَّقَ المادحُ أشعاره
وإنَّ صدقي فيكَ أعتدُّهُ … من كذبي في النَّاسِ كفَّاره