بدا نور صبح بالهدى متنفس – جبران خليل جبران

بدا نور صبح بالهدى متنفس … فيا حسنه في أعين المتفرس

ويا فرحا بعد الغياب بعائد … دنا فغدا منا بمرأى وملمس

ألا أيها الساقي وصهباؤه العلى … أدرها فمنا كل ظمآن محتس

أحقا أتانا الدهر بالبشر بعد ما … رمانا به من متعس إثر متعس

وهل رجعت شمس الحضارة بعدما … طوتها دهور في غياهب حندس

رعى الله من بيض الغواني عشيرة … تمرسن بالأعمال خير تمرس

رأى في تماديهن قوم تهوسا … وبالعقل طرا بعض هذا التهوس

أجل وبكل المكثرات من الحلى … دمى لابسات المجد أحسن ملبس

إذا وسوست في صدر حسناء همة … فأحلى سماع صوت حلي موسوس

أراهن جيشا للسلام سلاحه … من النور في ظل اللواء المقدس

غزون وهل في النصر شك إذا غزت … فواتك بالأسياف والسمر والقسي

نقايا المساعي كلهن حصيفة … لها هامة مرفوعة لم تنكس

وتخطر لا تعدو الهدى خطراتها … بأزهر من غصن نضير وأميس

وتسكت إلا ما تقول فعالها … فإن نبست أروت بأعذب منبس

ألا إن عمران البلاد بما ابتغت … فعالن به في كل ناد ومجلس

وإن أحاديث الصناعة إن يجد … بها وحشة قوم لأبهج مؤنس

أخاك فناصر ما استطعت بقوة … وثوبك من منسوج أهلك فالبس

ونافس بما هم متقنوه ليصبحوا … وهم كل يوم معقبوه بأنفس

دعيت فإن لبيت فالعزتكتسي … بحق وإن خالفت فالهون تكتسي

وإن قيل حسن في جليب منوع … فقل كل حسن في الأصيل المجنس

ولا تستمع فيما يعود على الحمى … بضر دعاوى أخرق متنطس

فما تبتلي الأقوام من سفهائها … بأنكد من هذي الدعاوي وأنجس

وهل من فلاح للبلاد وأهلها … إذا الشأن فيها ساسه ألف ريس

متى تر شعبا خرجه فوق دخله … فذلك شعب بات في حكم مفلس

وكيف يصان المال والبذل ذاهب … به في مهاوي جهه والتغطرس

لتحذر من اليأس الذي دونه الردى … ومن كل مأفون من الرأي مؤنس

أبى الله أن يلفى بدار تغير … إذا لم يغير قومها ما بأنفس

فيا ألمعيات تلمسن للحمى … مني طالما عزت على المتلمس

فأسسن فخرا للبلاد مجددا … وهي يثبت البنبان غير مؤسس

ويممن قصدا واحدا فمنحنه … مهابة محراب وحرمة مقدس

إليكن حمدا سوف يزكو على المدى … له في مساعيكن أطيب مغرس

وما الحمد إلا واحد في اتجاهه … سواء إلى المرؤوس والمترئس