الحُبُّ ريحانُ المُحبِّ وراحه – ابن الرومي
الحُبُّ ريحانُ المُحبِّ وراحه … وإليه إنْ شحطتْ نَواهُ طِماحُه
يغدو المحب لشأنه وفؤادُهُ … نحوَ الحبيب غُدُّوهُ ورواحُهُ
عندي حديثُ أخي الصبَّابة عن حَشَا … لي لا تزال كثيرة ً أتراحُهُ
وبحيث أرْيُ النحل حَدُّ حُمَاتها … وبحيث لذاتُ الهوى أبراحُهُ
أصبحتُ مملوكاً لأحسن مالك … لو كان كمَّل حُسْنَهُ إسجاحُهُ
لم يَعْنه أرَقِي وفيه لقيتُهُ … حتى أضرَّ بمقلتي إلحاحُهُ
كلا ولا دمعي وفيه سفحتُه … حتَّى أضرَّ بوجنتي تَسْفَاحُه
لا مَسَّه بعقوبة من رَبِّه … إقْلاَقُهُ قلبي ولا إقراحُه
لولا يُدَالُ من الحبيب مُحبُّهُ … فتُدال من أحزانِهِ أفراحُه
يا ليت شعري هل يبيتُ مُعانِقِي … ويدايَ من دون الوشاح وشاحه
ويُشمُّني تُفَّاحَهُ أوْ وَرْدَهُ … ذاك الجَنِيُّ ووردُه تفاحهُ
ظَبْيٌ أُصِحَّ وأُمْرضَتْ ألحاظُه … والحسن حيث مِراضه وصحاحُه
يغدو فتكثر باللحاظ جراحُنا … في وجنتيه وفي القلوب جراحُه
مَنْ قائلٌ عني لمن احبَبْتُهُ … هل يُنقعُ اللَّوْحُ الذي ألتاحُه
هل أنت مُنْصِفُ عاشِقٍ مُتَظَلِّم … طولُ النَّحيبِ شَكَاتُه وصِياحُه
قَسَماً لقد خيَّمْتُ منك بِمنزلٍ … ليَ حَزْنُهُ ولمن سِوايَ بطاحُهُ
ما بال ثغرِك مَشْرَباً لِي سُكْرُهُ … ولِمن سواي فدتك نفسي راحُهُ
نفسي مُعَذَّبة بِهِ من دونِهِ … ويُبَاحُهُ دوني ولست أُباحُه
مِن دونِ ما قد سُمْتَنِي نسكَ الهوى … وغدا الصِّبا ولَبُوسه أَمساحُه
ولكم أَبَيْتُ النصح فيك ولم يكن … مِثلي يَعَاف العذبَ حين يُمَاحُه
ولقد أَقولِ لِمن ألحَّ يلومني … وإخاله لِحياطتي إلحاحُه
ولقد أَقول لِعاذِلِي مُتَنَمِّراً … كالمسْتَغِشِّ وحقُّه استِنصاحُه
يا من يُقَبِّحُ عند نفسي حبَّها … أرِنِي لحاك اللَّه أين قُبَاحُه
أصدوده أم دَلُّهُ أم بُخلُه … أخطأتَ تِلك مِلاحه وصِباحُه
لولا التعزُّزُ في الحبيب وملحه … ما حَلَّ للمستملِح استملاحُه
وجَدا الأحبة ِ طيِّبٌ محظورُهُ … عند المحب ولن يطيب مباحُه
أكفأتُ لومَك كلَّه ومججتُهُ … يا لائمي فامحِه من يمتاحُه
وعساك تنصحني وليس لعاشِق … عين ترِيه ما يرى نُصَّاحُهُ
ما كان أحْذَقَني بِصُرْمِ معذِّبي … لولا مُهَفْهَفُ خلقِهِ وَرَدَاحُه
لكنه كالعيشِ سائِغُ شُهدِهِ … يُصبى إليه وإن أغصَّ ذُباحُهُ
مالِي ومالَكَ هل أفوزُ بِلَذَّتي … وعليك وزر قِرافِها وجُنَاحُهُ
كلا فلا تُكْثرْ مَلامك واطّرِح … عنك الهُذَاءَ فإنني طَرَّاحُهُ
وأما لقد ظُلِمَ المعذَّل في الهوى … أَإليه مصروفُ الهوى ومُتاحُهُ
أَنَّى يكون كما يشاء مُدَّبَّرُ … بِيَدَيْ سِواه سَقَامُهُ وصَحَاحُهُ
مِنِّي اللَّجاجة في الهوى وسبيله … ومن العذولِ هريره ونباحُهُ
وإلى ابن إسماعيل منه مُهَاجرى … ومِن الزمان إذا أُلِيحَ سِلاحُهُ
حَسَنٍ أخي الإحسان والخُلق الذي … يبني المكارمَ جِدُّهُ ومُزَاحُهُ
ومُسَائِل لي عنه قلت فداؤه … فِي عصرِنا سُمحاؤه وشِحاحُهُ
ذاك امرؤ يلقاك منه فتى الندى … غِطرِيفه كَهْلُ الحجا جَحْجَاحُهُ
حَسنُ المحيا كاسمه بَسَّامه … ضَحَّاكه لجليسه وضّاحُهُ
يُمْسي ويُصْبِحُ مِن وَضاءة أمرِهِ … وكأنمَّا إمساؤه إصباحُهُ
عَادَاتُه في ماله اسْتِفْسَادُهُ … وسبيلُه في مجده استصلاحُهُ
يُرْجَى فيُوفِي بالمُؤَمَّلِ عنده … لا بل يَفُتُّ وفاءه إرجاحُهُ
ومتى تعذَّر مطلب في مالِهِ … فبجاهِهِ وبيُمنِهِ استنجاحُهُ
إن ابن إسماعيلَ مَفْزَعُ هاربٍ … قِدْماً وَمَفْدَى طالِبٍ وَمَراحُهُ
دفَّاعُ جارِ حِفاظِهِ منَّاعُهُ … نَفَّاحُ ضيفِ سَمَاحِهِ منَّاحُه
في شِيْمَتَيْهِ صرامة وسلامة … فهناك حَدَّا مُنْصُلٍ وصِفاحُه
والسيفُ ذو متن يَلذُّ مِسَاسُه … لكنْ له حَدُّ يُهَاب كفاحُه
لِرجاله منه اثنتانِ تتابعتْ … بهما له وتسايرت أمداحُه
فَلِرَاهِب ألاَّ يَرِيثَ أمانُهُ … ولراغب ألاّ يريث نجاحُه
في ظله أمِنَ النَّخِيبُ فؤادُه … وبجوده انجبر الكسيرُ جَنَاحُه
هذا له إكرامُه ومقامُه … ولذاك عاجلُ رفدِه وسراحُه
فإليه ينتعل القريبُ حذاءَه … وإليه يمسح سَبْسَبَاً مُسَّاحُه
كم سائقٍ ساقَ المطيَّ يؤمُّهُ … حتى اقتدى بذلولِهِ ممْراحُه
ولقد ترانا نَنْتَحِيهِ ودونَه … للعيسِ أغبرُ واسعٌ قِرْواحُهُ
فيظل يَقْصُرُ للمسير طويلُه … ويبيت يُقْبَضُ للسُّرَى رحراحُه
يطوي مدى السَّفر المُيَمَّم سَفْرُهُ … حَسَناً فيقرُبُ عندهم طَمَّاحُه
وأحقُّ مطويٍّ مداه لقاطع … سَفَر تلوح لتاجرٍ أَرْباحُه
ولكم كَسَتْ ظلماءُ ليلٍ وفدَه … ثوباً جديداً لم يَحِن إمحاحُه
فهدتْ عيونَهُم له أضواؤه … وهدت أنوفَهمُ له أرواحُه
شملَ التنوفة َ فائحٌ من نشره … قطعَ الفضاءَ إلى الأُنوف مَفَاحُه
وَجَلا الدُّجُنَّة َ لائحٌ من نوره … كشف الغطاء عن العيون مِلاحُه
لا تُخْطِئنَّ أبا عليٍّ إنه … بابُ الغنى وسؤاله مفْتاحُه
عيث أظلَّ فبشَّرتْك برُوقُه … وَمَرَتْ لك النفحاتِ منه رياحُه
ما زال يتبعُ بشرَهُ معروفُه … والغيثُ يتبعُ بَرْقَهُ تَنْضَاحُهُ
أصبحتُ أشكره وإن لم يُرضني … إسقاطُه شأوِي ولا إرزاحُه
وأذيع شكواه وإن لم يُشكِنِي … إنزارُهُ صَفَدِي ولا إيتَاحُه
ألقى الكسوفَ على المديح وسيْبُهُ … كاسي المديح جَمَالَه فضَّاحُه
فبما اعتلاه بدا عليه كسوفُه … وبما كساه تَلألأتْ أوضاحُه
كائنْ لهُ حَزْمٌ إليَّ يروقني … حُسْناً ويَقْبُحُ عندي استقباحُه
أنشدْته مدحي فأنشد طَوْلَهُ … تَئِقُ السَّمَاح بمالِه نَفَّاحُه
صبُّ الفؤاد إلى الندى مُشْتَاقُه … طِرب الطِّبَاع إلى الثَّدَى مرتاحُه
بعثَ الجَدا فجرت اليَّ رِغابه … من بعد ما عَسُرتْ عليَّ وِتَاحُه
طِرْفٌ يغولُ الجهدَ منِّيَ عفوُه … بحر يُغَرِّقُ لُجَّتي ضَحْضَاحُه
فكأَنَّ نائله أرادَ فَضِيحتي … مما اعتلى مَتْحِي هناك مِتَاحُه
وإذا الجدا فضح المديح فَمُقْبِحٌ … يُعْتَدُّ من إحسانه إقباحُه
يا آل حمَّاد تَقَاعَسَ أمرُكم … عن خَتْمِهِ وتجدَّد استفتاحُهُ
أنتم حقيقة ُ كلِّ شيء فاضل … وذوو الفضائل غَيْرَكُمْ أَشباحُهُ
والعلمُ مُقْتَسَمٌ فعندَ سواكُمُ … أفْيَاضُهُ ولديكُم أَمحاحُه
أصبحتُمُ بيتَ القضاء فنحوَكُمْ … تَهْوِي بطالِب فَيْصَلٍ أطْلاَحُه
وبِعَدْلِكُمْ أضحى مَراداً واسعَ ال … بُنْيَان فيه سُرُوحه وسَرَاحُه
أصحابُ مالك الذي لم يَعُدُهُ … من كُلِّ علم محضُه وصُراحُه
ذاك الذي ما اشتد قُفْلُ قضية … إلاّ ومن أصحابه فُتَّاحُه
ولكم بحمَّادِ بن زيد مَمْتَحٌ … في العِلم يصدرُ بالرضا مَتَّاحُه
لا يُخْدَع المتَعَلِّلُونَ ولا يَعُمْ … في البحر إلا الحوتُ أو سُبَّاحُه
بحديث حمَّادٍ ومَقْبَسِ مالكٍ … يَشْفِي الأُحَاحَ من استَحَرَّ أحَاحُه
لا يَبْعَدا من حالبَيْن كلاهما … يمْرِي الشفاء فَتَسْتَدِرُّ لِقاحُه
وكأنما هذا وذاك كلاهما … من في محمَّد استَقَتْ ألواحُه
ومُخَالِفٍ أضحى بكم مَغْمَودَة ً … أسيافُه مَرْكُوزَة ً أرماحُه
خاطَبْتُمُوه بالجليَّة ِ فاتَّقَى … بيَدِ السَّلام وقد أظلَّ شِيَاحُه
قسماً لقد نظر الخليفة ُ نَظْرَة ً … فرأى بنور اللَّه أين صلاحُه
وإذا امرؤٌ وصل الفلاحَ بسعيكم … فهو الخليق لأن يَتمَّ فلاحُه
أنَّى يخيبُ ولا يفوزُ مُسَاهِمٌ … والحاكمون الفاصلون قِداحُه
علماءُ دين محمَّدٍ فقهاؤُه … صلحاؤه صُرحاؤه أقحاحُه
واللَّه أعلم حيث يجعل حكمه … وإن امترى شَغِبُ المراء وقَاحُه
ولئن مَحَضْتُمْ للخليفة نصحكم … ولَشرُّ ما يَقري النَّصيحَ ضَياحُه
فلقد قدحتم لابن ليث قَدْحَكُمْ … حتى توقَّد في الدجى مصباحُه
فرأت به عيناه أين خساره … ورأت به عيناه أين رَبَاحُه
لمَّا استضاء بنوركم في أمره … عَمْروٌ أضاء مساؤه وصباحُه
لولا مشورتكم لَنَاطَحَ جَدَّه … جَدٌّ يُبِيرُ مُنَاطِحِيه نِطاحه
يا ليت شعري حين يُمْدَحُ مِثْلُكُمْ … ماذا تَراه يزيده مُدَّاحُه
لكنكم كالمسك طاب لعينه … ويزيد حين تخوضه جُدَّاحُه
لا زلتُمُ من كل عيشٍ صالحٍ … أبداً بحيث دِماثُهُ وفِسَاحُه
بأَبي يَدٌ لَكُمُ صَنَاعٌ أصلحتْ … دهري وقد أعيا يدي إصلاحُهُ
بيضاءُ وَادَعَني بها وثَّابُه … عمري وضاحكني بها مِكْلاحُهُ
تاللَّه لا أنسى دفاع أكُفِّكُم … عنِّي البوارَ وقد هوى مِرْضَاحُه
وإذا أظلَّني البلاءُ دعوتكم … فَبِكُمْ يكون زواله ورواحُه
وشريدِ مدحٍ لا يزال مبارياً … سَيّاحُ سَيْبِ أكفِّكم سَيَّاحُه
قدْ قُلْتُهُ فيكم ولم أر قائلاً … أنْبَأتَ عن غيب فما إيضاحُه
والشكر مَنْتُوجٌ عليَّ نَتَاجُه … وعليكُمْ بالعارفاتِ لِقَاحُه
والعرفُ أعجمُ حين يُولَى مُفْحَماً … وبأن يُضَمَّنَ شَاعِراً إفصاحُهُ
أَسْمَعْت يا حَسنَ المكارم فاستمعْ … واكبِتْ عدوَّك أُسْمِعَتْ انواحُه
أرِهِ مكارمَكَ اللواتي لم تزل … منها يطول ضُغاؤُهُ وضُباحُه
خُذْهَا هدية َ شاعرٍ لك شاكرٍ … نطقت بمدحك عُجْمُهُ وفِصَاحُه
نحوَ المُعَشَّقِ من حديِثك سَمْعُهُ … أبداً ونحو نسيمِكِ اسْتِرْواحُه
أهدى إليك عقيلة ً من شعره … بِكْراً يَقِلُّ بمثلها إسماحُه
فَامْهَرْ كريمَتَه التي أُنْكِحْتَهَا … كَيْمَا يطيبَ لدى النِّكاحِ نِكَاحُه
لا تمنعنَّ مَهيرَة ً من مَهْرِها … إن السَّرِيَّ من الفِريِّ سِفَاحُهُ
بَكَرَتْ عليك سلامة ٌ وكرامة ٌ … وعلى عدوِّك آفة ٌ تجتاحُه