الحَمدُ لِلَّهِ المُعيدِ المُبدي – علي بن الجهم

الحَمدُ لِلَّهِ المُعيدِ المُبدي … حَمداً كَثيراً وُهوَ أُهلُ الحَمدِ

ثُمَّ الصَلاةُ أَوَّلاً وَآخِرا … عَلى النَبِيِّ باطِناً وَظاهِرا

يا سائِلي عَن اِبتِداءِ الخَلقِ … مَسأَلَةَ القاصِدِ قَصدَ الحَقِّ

أَخبَرَني قَومٌ مِن الثِقاتِ … أولو عُلومٍ وَأولو هَيئآتِ

تَقَدَّموا في طَلَبِ الآثارِ … وَعَرَفوا حَقائِقَ الأَخبارِ

وَفَهِموا التَوراةَ وَالإِنجيلا … وَأَحكَموا التَنزيلَ وَالتَأويلا

أَنَّ الَّذي يَفعَلُ ما يَشاءُ … وَمَن لَهُ العِزَّةُ وَالبَقاءُ

أَنشَأَ خَلقَ آدَمٍ إِنشاءَ … وَقَدَّ مِنهُ زَوجَهُ حَواءَ

مُبتَدِئاً ذلِكَ يَومَ الجُمعَهْ … حَتّى إِذا أَكمَلَ مِنهُ صُنعَهْ

أَسكَنَهُ وَزَوجَهُ الجِنانا … فَكانَ مِن أَمرِهِما ما كانا

غَرَّهُما إِبليسُ فَاِغتَرّا بِهِ … كَما أَبانَ اللَهُ في كِتابِهِ

دَلّاهُما المَلعونُ فيما صَنَعا … فَأُهبِطا مِنها إِلى الأَرضَ مَعا

فَوَقَعَ الشَيخُ أَبونا آدَمْ … بِجَبَلٍ في الهِندِ يُدعى واسِمْ

لَبَئسَما اِعتاضَ عَن الجِنانِ … وَعَن جِوارِ المَلِكِ المَنّانِ

وَالضَعفُ مِن خَليقَةِ الإِنسانِ … لا سِيَّما في أَوَّلِ الزَمانِ

ما لَبِثا في الفَوزِ يَوماً واحِدا … حَتّى اِستَعاضا مِنهُ جُهداً جاهِدا

فَشَقيا وَوَرَّثا الشَقاءَ … أَبناهُما وَالهَمَّ وَالعَناءَ

وَلَم يَزَل مُستَغفِراً مِن ذَنبِهِ … حَتّى تَلَقّى كَلِماتِ رَبِّهِ

فَأمِنَ السَخطَةَ وَالعِقابا … وَاللَهُ تَوّابٌ عَلى مَن تابا

ثُمَّ اِستَمَلّا وَأَحَبّا النَسلا … فَحَمَلَت حَوّاءُ مِنهُ حَملا

وَوَضَعَت إِبناً وَبِنتاً تَوأَما … فَسُرَّ لَمّا سَلِمَت وَسَلِما

وَاِقتَنيا الإِبنَ فَسُمِّيَ قايِنا … وَعايَنا مِن أَمرِهِ ما عايَنا

ثُمَّ أَغَبَّت بَعدَهُ قَليلا … فَوَضَعَت مُتئِمَةً هابيلا

فَشَبَّ هابيلُ وَشَبَّ قايِنُ … وَلَم يَكُن بَينَهُما تَبايُنُ

فَقَرَّبا لِحاجَةٍ قُربانا … وَخَضَعا لِلَّهِ وَاِستَكانا

فَقُبِلَ القُربانُ مِن هابيلِ … وَلَم يَفُز قايِنُ بِالقُبولِ

فَثارَ لِلحينِ الَّذي حُيِّنَ لَهْ … إِلى أَخيهِ ظالِماً فَقَتَلَهْ

ثُمَّ اِستَفَزَّ أُختَهُ فَهَرَبا … وَفارَقا أُمّاً أَلوفاً وَأَبا

فَبَعَدَت دارُهُما مِن دارِهِ … وَزَهَدا في الخَيرِ مِن جِوارِهِ

فَأَخلَفَ اللَهُ عَلَيهِ شيثا … وَلَم يَزَل بِاللَهِ مُستَغيثا

حَتّى إِذا أَحَسَّ بِالحِمامِ … وَذاكَ بَعدَ سَبع مية عامِ

كانَت إِلى شيثَ اِبنِهِ الوَصِيَّهْ … وَلَيسَ شَيءٌ يعجزُ المَنِيِّهْ

أَنِ اِعبُدِ اللَهَ وَجانِب قايِنا … وَكُن لَهُ وَنَسلِهِ مُبايِنا

فَلَم يَزَل شيثُ عَلى الإيمانِ … مُعتَصِماً بِطاعَةِ الرَحمنِ

يَحفَظُ ما أَوصى بِهِ أَبوهُ … لا يَتَخَطّاهُ وَلا يَعدوهُ

حَتّى إِذا ما حَضرَت وَفاتُهُ … وَخافَ أَن يَفجَأَهُ ميقاتُهُ

أَوصى أَنوشاً وَأَنوشٌ كَهلُ … بِمِثلِ ما أَوصى أَبوهُ قَبلُ

فَلَم يَزَل أَنوشُ يَقفو أَثَرَهْ … لا يَتَعَدّى جاهِداً ما أَمَرَهْ

تَمَّ تَلاهُ إِبنُهُ قينانُ … وَقَولُهُ وَفِعلُهُ الإيمانُ

ثُمَّ تَلا قينانَ مَهلائيلُ … فَسَنَّ ما سَنَّت لَهُ الكُهولُ

ثُمَّ اِستَقَلَّ بِالأُمورِ يَردُ … اخنوخ وَهوَ في العُلومِ فَردُ

وَكانَ في زَمانِهِ يوئيلُ … الخالِعُ المُضلِّلُ الضِلّيلُ

أَوَّلُ مَن تَتَبَّعَ المَلاهِيا … وَأَظهَرَ الفَسادَ وَالمَعاصيا

وَكانَ مِن نَسلِ الغَوِيِّ قاينِ … وَغَيرُ بِدعٍ خايِنٌ مِن خايِنِ

فَاِغتَرَّ مِن أَولادِ شيثٍ عالَما … حَتّى عَصَوا وَاِنتَهَكوا المَحارِما

وَخالَفوا وَصِيَّةَ الآباءِ … وَاِفتَتَنوا بِاللَهوِ وَالنِساءِ

وَلَم يَزَل يارِدُ يَألو قَومَهُ … نُصحاً وَكانوا يُكثِرونَ لَومَهُ

حَتّى إِذا ماتَ اِستَقَلَّ بَعدَهُ … إِدريسُ بِالأَمرِ فَأَورى زِندَهُ

وَهُوَ حَنوخ بِالبَيانِ أَعجَما … صَلّى عَلَيهِ رَبُّنا وَسَلَّما

أَوَّلُ مَبعوثٍ إِلى العِبادِ … وَآمِرٍ بِالخَيرِ وَالرَشادِ

وَأَوَّلُ الناسِ قَرا وَكَتَبا … وَعَلِمَ الحِسابَ لَمَّا حَسَبا

فَلَم يُطِعهُ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ … وَاِختَلَطوا بِقايِنٍ وَنَسلِهِ

فَرَفَعَ اللَهُ إِلَيهِ عَبدَهُ … مِن بَعدِ ما اِختارَ المَقامَ عِندَهُ

وَصارَ مَتوشَلَخٌ مُستَخلَفا … مِن بَعدِ إِدريسَ النَبِيِّ المُصطَفى

فَحَذَّرَ الناسَ عَذاباً نازِلا … فَلَم يَجِد في الأَرضِ مِنهُم قابِلا

غَيرَ اِبنِهِ لَمكٍ فَأَوصى لَمكا … وَصِيَّةً كانَت تُقىً وَنُسكا

فَوَعَظَ الناسَ فَخالَفوهُ … وَنَفروا عَنهُ وَفارَقوهُ

فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم نوحا … عَبداً لِمَن أَرسَلَهُ نَصوحا

فَعاشَ أَلفاً غَيرَ خَمسينَ سَنَهْ … يَدعو إِلى اللَهِ وَتَمضي الأَزمِنَهْ

يَدعوهُمُ سِرّاً وَيَدعو جَهرا … فَلَم يَزِدهُم ذاكَ إِلّا كُفرا

وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالطُغيانِ … وَأَظهَروا عِبادَةَ الأَوثانِ

حَتّى إِذا اِستَيأَسَ أَن يُطاعا … وَحَجَبوا مِن دونِهِ الأَسماعا

دَعا عَلَيهِم دَعوَةَ البَوارِ … مِن بَعدِ ما أَبلَغَ في الإِنذارِ

وَاِتَّخَذَ الفُلكَ بِأَمرِ رَبِّهِ … حَتّى نَجا بِنَفسِهِ وَحِزبِهِ

وَأَقبَلَ الطوفانُ ماءً طاغِيا … فَلَم يَدَع في الأَرضِ خَلقاً باقِيا

غَيرَ الَّذينَ اِعتَصَموا في الفُلكِ … فَسَلِموا مِن غَمَراتِ الهُلكِ

وَكانَ هذا كُلُّهُ في آبِ … قَبلَ اِنتِصافِ الشَهرِ في الحِسابِ

فَعَزَموا عِندَ اِقتِرابِ المَعمَعَهْ … أَن يَركَبوا الفُلكَ وَأَن يَنجوا مَعَهْ

وَكانَ مِن أَولادِ نوحٍ واحِدُ … مُخالِفٌ لِأَمرِهِ مُعانِدُ

فَبادَ فيمَن بادَ مِن عِبادِهِ … وَسَلِمَ الباقونَ مِن أَولادِهِ

سامٌ وَحامٌ وَالصَغيرُ الثالِثُ … وَهُوَ في التَوراةِ يُدعى يافِثُ

فَأَكثَرُ البيضانِ نَسلُ سامِ … وَأَكثَرُ السودانِ نَسلُ حامِ

وَيافِثٌ في نَسلِهِ عَجائِبُ … يَأجوجُ وَالأَتراكُ وَالصَقالِبُ

وَمِن بَني سامِ بنِ نوحٍ إِرَمُ … وَاَرْفَخْشَدٌ وَلاوِذٌ وَغَيلَمُ

فَكَثُرَت مِن بَعدِ نوحٍ عادُ … وَشاعَ مِنها العَيثُ وَالفَسادُ

وَعادُ مِن أَولادِ عوصِ بنِ إِرَمْ … وَمِن بَني عوصٍ جَديسٌ وَطَسَمْ

فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم هودا … فَجَرَّدَ الحَقَّ لَهُم تَجريدا

فَعانَدوهُ شَرَّ ما عِنادِ … وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالإِلحادِ

فَقالَ يا رَبِّ أَعِزَّ القَطرا … عَنهُم فَعَدّاهُم سِنينَ عَشرا

وَأَرسَلَ الريحَ عَلَيهِم عاصِفا … فَلَم تَدَع مِن آلِ عادٍ طائِفا

وَكانَ وَفدٌ مِنهُم سَبعونا … ساروا إِلى مَكَّةَ يَستَقونا

فَاِبتَهَلوا وَرَفَعوا أَيديهِمُ … وَكانَ لُقمانُ بنُ عادٍ مِنهُمُ

فَسَأَلَ البَقاءَ وَالتَعميرا … فَعاشَ حَتّى أَهلَكَ النُسورا

وَوافَقَت دَعوَتُهُ إِجابَهْ … إِذ لَم يَكُن بِمُرتَضٍ أَصحابَهْ

وَأَثمَرَت ثَمودُ بَعدَ عادِ … فَسَكَنَت حِجراً وَبَطنَ الوادي

فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم صالِحا … فَتىً حَديثَ السِنِّ مِنهُم راجِحا

فَلَم يَزَل يَدعوهُمُ حَتّى اِكتَهَلْ … وَلَم يُجِبهُ مِنهُمُ إِلّا الأَقَلْ

وَأَحضَروهُ صَخرَةً مَلساءَ … وَقالوا أَخلِص عِندَها الدُعاءَ

فَهَل لِمَن تَعبُدُهُ مِن طاقَهْ … أَن تَتَشَظّى وَلَداً عَن ناقَهْ

فَاِنفَلَقَت حَتّى بَدا زَجيلُها … عَن ناقَةٍ يَتبَعُها فَصيلُها

فَعَقَروا الناقَةَ لِلشَقاءِ … فَعاجَلَتهُم صَيحَةُ الفَناءِ

فَتِلكَ حِجرٌ مِن ثَمودٍ خالِيَهْ … فَهَل تَرى في الأَرضَ مِنهُم باقِيَهْ

ثُمَّ اِصطَفى رَبُّكَ إِبراهيما … فَلَم يَزَل في خَلقِهِ رَحيما

فَكانَ مِن إِخلاصِهِ التَوحيدا … أَن هَجَرَ القَريبَ وَالبَعيدا

وَشَرَعَ الشَرائِعَ الحِسانا … وَكَسَرَ الأَصنامَ وَالأَوثانا

وَقالَ لوطٌ إِنَّني مُهاجِرُ … وَبِالَّذي يَأمُرُ قَومي آمِرُ

ما قَد تَوَلّى شَرحَهُ القُرآنُ … وَفي القُرانِ الصِدقُ وَالبَيانُ

فَشَكَرَ اللَهُ لَهُ الإيمانا … وَخَصَّهُ الحُجَّةَ وَالبُرهانا

وَقَمَعَ النُمرودَ عاتي دَهرِهِ … بِحُجَجِ اللَهِ وَحُسنِ صَبرِهِ

وَجَعَلَ الحِكمَةَ في أَولادِهِ … وَاِختارَهُم طُرّاً عَلى عِبادِهِ

وَجَعَلَ الأَمرَ لِإِسماعيلِ … فَهُوَ أَسَنُّ وَلَدِ الخَليلِ

وَوَلَدَت هاجَرُ قَبلَ سارَهْ … وَقَبلَها بُلِّغَتِ البِشارَهْ

مِن رَبِّها وَسَمِعَت نِداءَ … قَد سَمِعَ اللَهُ لَكِ الدُعاءَ

وَأُسكِنَت في البَلَدِ الأَمينِ … وَشَبَّ إِسماعيلُ في الحَجونِ

وَكانَ يَوماً عِندَهُ جِبريلُ … وَعِندَهُ النَبِيُّ إِسماعيلُ

وَهوَ صَغيرٌ فَاِشتَكى الظَماءَ … فَخَرَجَت هاجَرُ تَبغي الماءَ

فَهَمَزَ الأَرضَ فَجاشَت جَمجَما … تَفورُ مِن هَمزَتِهِ أَنْهُرَ ما

وَأَقبَلَت هاجَرُ لَمّا يَئِسَت … فَراعَها ما عايَنَت فَأَبلَسَت

وَجَعَلَت تَبني لَهُ الصَفائِحا … لَو تَرَكَتهُ كانَ ماءً سائِحا

وَجاوَرَتهُم جُرهُمٌ في الدارِ … راغِبَةً في الصِهرِ وَالجِوارِ

فَوَلَّدوا النِساءَ وَالرِجالا … خَؤولَةٌ شَرَّفَت الأَخوالا

وَوَطَّنوا مَكَّةَ دَهراً داهِرا … حَتّى إِذا ما قارَفوا الكَبائِرا

وَبَدَّلوا شِرعَةَ إِبراهيمِ … وَشَبَّهوا التَحليلَ بِالتَحريمِ

أَجلَتهُمُ عَنها بَنو كِنانَهْ … فَدَخَلوا بِالذُلِّ وَالمَهانَهْ

وَوَلي البَيتَ وَأَمرَ الناسِ … الأَكرَمونَ مِن بَني إِلياسِ

فَلَم تَزَل شِرعَةُ إِسماعيلِ … في أَهلِهِ واضِحَةَ السَبيلِ

حَتّى اِنتَهى الأَمرُ إِلى قُصَيِّ … مُجَمِّعٍ خَيرِ بَني لُؤَيِّ

فَسَلَّمَ الناسُ لَهُ المَقاما … وَالبيتَ وَالمَشعَرَ وَالحَراما

وَصارَتِ القوسُ إِلى باريها … وَصادَفَت رَمِيَّةٌ راميها

وَإيطَنَت في أَهلِها المَكارِمُ … وَرُفِعَت لِشَيدِها الدَعائِمُ

وَوَرَّثَ الشَيخُ بَنيهِ الشَرَفا … وَكُلُّهُم أَغنى وَأَجدى وَكَفى

وَاِسمَع حَديثَ عَمِّنا إِسحاقا … فَإِنَّني أَسوقُهُ أَنساقا

جاءَ عَلى فَوتٍ مِن الشَبابِ … وَمِئَةٍ مَرَّت مِن الأَحقابِ

فَأَيَّدَ اللَهُ بِهِ الخَليلا … وَعَضَدَ الصادِقَ إِسماعيلا

وَعَجِبَت سارَةُ لمّا بُشِّرَت … بِهِ فَصَكَّت وَجهَها وَذُعِرَت

قالَت وَأَنّى تَلِدُ العَجوزُ … قيلَ إِذا قَدَّرَهُ العَزيزُ

وَقيلَ مِن وَرائِهِ يَعقوبُ … مَقالَةٌ لَيسَ لَها تَكذيبُ

فَتَمَّ وَعدُ اللَهِ جَلَّ ذِكرُهُ … وَغَلَبَ الأَمرَ جَميعاً أَمرُهُ

فَكانَ مِن قِصَّةِ يَعقوبَ النَبِي … ما لَيسَ يَخفى ذِكرُهُ في الكُتُبِ

قَد أَفرَدَ اللَهُ بِذاكَ سورَهْ … مَعروفَةً بِيوسِفٍ مَشهورَهْ

وَماتَ يَعقوبُ بِأَرضِ مِصرِ … مِن بَعدِ تِسعٍ كَمُلَت وَعَشرِ

وَإِنِّما طالَعَ مِصرَ زائِرا … لِيوسِفٍ ثُمَّ ثَوى مُجاوِرا

حَتّى إِذا أَيقَنَ بِالحِمامِ … أَوصى بِأَن يُقبَرَ بِالشآمِ

فَحَمَلَ التابوتَ حَتّى قَبَرَهْ … يوسُفُ بِالشامِ عَلى ما أَمَرَهْ

ثُمَّ أَتى مِصرَ فَعاشَ حِقَبا … حَتّى قَضى مِن الحَياةِ أَرَبا

وَكانَ مِن أُسرَتِهِ سَبعونا … أَتوهُ مَع يَعقوبَ زائِرينا

وَكانَ فِرعَونُ يَليهِم قَسرا … فَسامَهُم سوءَ العَذابِ دَهرا

فَبَعَثَ اللَهُ إِلَيهِم موسى … مِن بَعدِ ما قَدَّسَهُ تَقديسا

فَخَلَّصَ القَومَ مِن العَذابِ … وَهُم عَلى ما قيلَ في الحِسابِ

سِوى الذَراري وَالرِجالِ العُجفِ … مِن الرِجالِ سِتَّ مِيةِ أَلفِ

وَنَقَلَ التابوتَ ذو العَهدِ الوَفي … موسى وَفي التابوتِ جِسمُ يوسُفِ

لَم يَثنِهِ عَن ذاكَ بُعدُ العَهدِ … وَلا الَّذي مَرَّ بِهِ مِن جُهدِ

وَبَينَهُم إِحدى وَخَمسونَ سَنَه … وَمِئَةٍ كامِلَةٍ مُمتَحَنَه

وَمَكَثوا في التيهِ أَربَعينا … وَلَم يَعيشوا مِثلَها سِنينا

وَماتَ هارونُ بنُ عِمرانَ النَبِي … مِن قَبلِ موسى في مَنامٍ طَيِّبِ

وَقيلَ ما أُخِّرَ عَن أَخيهِ … إِلّا لِأَمرٍ قَد قُضِي في التيهِ

ثُمَّ تَنَبّا يوشَعُ بنُ نونِ … وَصِيُّ موسى الصادِقِ الأَمينِ

فَخاضَ بَحرَ أُردُنَ العَميقا … وَجَعَلَ البَحرَ لَهُ طَريقا

وَحَرَقَت مَن خانَ في أَريحا … وَفَتَحَ اللهُ بهِ الفُتوحا

وَقالَ لِلشَمسِ قِفي فَوَقَفَت … وَرَدَّها مِن قَصدِها فَاِنصَرَفَت

وَذَلَّلَ المُلوكَ حَتّى ذَلَّتِ … وَقُلِّلَت في عَينِهِ فَقَلَّتِ

وَأَسكَنَ الشامَ بَني اِسرائيلِ … وَعداً مِن الرَحمنِ في التَنزيلِ

ثُمَّ تَنَبّا وَقَفاهُ كَالِبُ … وَقالَ لِلأَسباطِ إِنّي ذاهِبُ

وَخَلَّفَ الحَليمَ حَزقائيلا … ابنَ العَجوزِ بَعدَهُ بَديلا

وَكَثُرَت مِن بَعدِهِ الأَحزابُ … وَنَصَبوا بَعلَهُمُ وَعابوا

فَقالَ إِلياسُ بنُ ياسينَ لَهُم … وَهُوَ نَبِيٌّ مُرسَلٌ مِن رَبِّهِم

أَنِ اِعبُدوا اللَهَ وَأَلقوا بَعلا … فَاِستَكبَروا وَأَوعَدوهُ القَتلا

فَلَم يَزَل مُستَخفِياً سَيّاحا … حَتّى دُعِي بِالمَوتِ فَاِستَراحا

وَقيلَ في التَوراةِ إِنَّ فَرَسا … أَتاهُ في صَباحِهِ أَو في مسا

حَتّى إِذا رَكِبَهُ إِلياسُ … غابَ فَلَم يَظهَر عَلَيهِ الناسُ

وَلَم يَزَل اِبنُ الخطوبِ اليَسَعُ … يَردَعُهُم دَهراً فَلَم يَرتَدِعوا

وَسُلِبوا التابوتَ مِن بَعدِ اليَسِعْ … وَماتَ اليادُ اِسمُهُم مِن الحَذعْ

وَظَهَرَت عَلَيهِمُ الأَعداءُ … وَعَمَّهُم بَعدَ الهُدى العَماءُ

فسأَلوا نبيَّهم سُمويلا … أنَّ يستقيل الملكَ الجليلا

وَسَأَلوهُ أَن يُوَلّي والِيا … عَلَيهِمُ يُقاتِلُ الأَعادِيا

وَعاهَدوهُ أَن يُطيعوا أَمرَهُ … وَأَن يُعِزّوهُ وَيُعلوا قَدرَهُ

فَبَعَثَ اللَهُ لَهُم طالوتا … فَاِتَّبَعوهُ وَغَزوا جالوتا

وَكانَ داودُ أَقامَ بَعدَهُ … في أَهلِهِ ثُمَّ أَتاهُ وَحدَهُ

وَكَلَّمَتهُ صَخرَةٌ صَمّاءُ … نادَتهُ حَيثُ يَسمَعُ النِداءُ

خُذني فَإِنّي حَجَرُ الخَليلِ … يُقتَلُ بي جالوتُ عَن قَليلِ

وَكانَ أَيضاً سَأَلَتهُ قَبلَها … صَخرَةُ إِسحاقَ النَبِيِّ حَملَها

فَشاهَدَ الحَربَ عَلى أَناتِهِ … وَاِصطَكَّتِ الأَحجارُ في مُخلاتِهِ

وَكُلُّها يَطمَعُ في إِسدائِهِ … مُنتَقِمٌ لِلَّهِ مِن أَعدائِهِ

فَنالَ داودُ بِبَعضِهِنَّهْ … جالوتَ إِذ كانَت لَهُ مَظَنَّهْ

فَأَهلَكَ اللَهُ لَهُ عَدُوُّهْ … وَفازَ بِالمُلكِ وَبِالنُبُوَّهْ

وَكانَ طالوتُ لَهُ حَسودا … فَأَظفَرَ اللَهُ بِهِ داودا

وَكانَ قَد أَسَّسَ بَيتَ المَقدِسِ … بورِكَ في الأَساسِ وَالمُؤَسِّسِ

وَإِنَّما تَمَمَّهُ سُلَيمانْ … مِن بَعدِهِ حّتى اِستَقَلَّ البُنيانْ

وَكانَ قَد وَصّاهُ بِاِستِمامِهِ … داودُ إِذ أَشفى عَلى حِمامَهِ

وَقامَ بِالمُلكِ سُلَيمانُ المُلِكْ … نَحوَ اَربَعينَ سَنَةً حَتّى هَلَكْ

وَكانَ مِن أَولادِهِ عِشرونا … مِن بَعدِهِ بِالمُلكِ قائِمونا

ثُمَّ أَزالَ المُلكَ بُختَنَصَّرُ … عَنهُم فَقامَ بَعدَهُم وَقَصَّروا

وَخَرَّبَ الشَقِيُّ بَيتَ المَقدِسِ … وَكانَ مَشغوفاً بِقَتلِ الأَنفُسِ

وَماتَ بِالرَملَةِ عَن بَنينا … مِن بَعدِهِ بِالمُلكِ قائِمينا

فَقَتَلَ الأَخيرَ مِن بَنيهِ … دارا وَصارَ مُلكُهُم إِلَيهِ

وَكانَ في زَمانِهِ أَيّوبُ … الصابِرُ المُحتَسِبُ المُنيبُ

وَبَعدَ أَيّوبَ اِبنُ مَتّى يونُسُ … وَفيهِ لِلَّهِ كِتابٌ يُدرَسُ

وَيونِسٌ وَلّى فَقامَ شَعيا … فَأَنزَلَ اللَهُ عَلَيهِ الوَحيا

وَقيلَ إِنَّ الخِضرَ مِن إِخوانِهِ … وَإِنَّهُ قَد كانَ في زَمانِهِ

وَزَكَرِيّاءُ وَيَحيى الطاهِرُ … قَد أَنذَروا لَو أَغَنتَ المَناذِرُ

كِلاهُما أُكرِمَ بِالشَهادَهْ … فَسَعِدا وَأَيَّما سَعادَهْ

وَكانَ يَحيى أَدرَكَ اِبنَ مَريَمِ … طِفلاً صَغيراً في الزَمانِ الأَقدمِ

وَبَعدَ ذاكَ مَلَكَ الإِسكِندَرُ … وَالإِسمُ ذو القَرنينِ فيما يَذكُرُ

وَكانَ عيسى بَعدَ ذي القَرنينِ … بِنَحوِ خَمسينَ وَمائَتَينِ

يَنقُصُ حَولاً في حِسابِ الرومِ … بِذِكرِهِ في الخَبَرِ المَعلومِ

وَكانَ في أَيّامِهِ الأَشغانون … وَهُم مُلوكٌ لِلبِلادِ غَرين

فَجَذَّهُم بِالسَيفِ أَردَشيرُ … ثُمَّ اِبنُهُ مِن بَعدِهِ سابورُ

وَاِنقَطَعَ الوَحيُ وَصارَ مُلكا … وَأَعلَنوا بَعدَ المَسيحِ الشِركا

فَخَصَّ بِالطَولِ بَني اِسماعيلِ … أَضافَهُم بِالشَرَفِ الجَليلِ

فَلَزِمَت مَكَّةَ وَالبَوادِيا … وَحَلَّت الأَريافَ وَالحَواشِيا

وَظَهَرَت بِاليَمنِ التَبابِعَهْ … شَمرُ بنُ عَبسِ وَمُلوكٌ خالِعَهْ

وَاِستَولَتِ الرومُ عَلى الشاماتِ … فَآثَرَت رَفاهَةَ الحَياةِ

وَأجمَعَت لِلفُرسِ أَرضَ بابِلِ … وَقَنَعَت بِآجِلٍ مِن عاجِلِ

فَهذِهِ جُملَةُ أَخبارِ الأُمَمْ … مَنقولَةٌ مِن عَرَبٍ وَمِن عَجَمْ

وَكُلُّ قَومٍ لَهُمُ تكثيرُ … وَقَلَّما تُحَصَّلُ الأُمورُ

وَعُمِّيَتْ في الفَترَةِ الأَخبارُ … إِلّا الَّتي سارَت بِها الأَشعارُ

وَالفُرسُ وَالرومُ لَهُم أَيّامُ … يَمنَعُ مِن تَفخيمِها الإِسلامُ

وَإِنَّما يَقنَعُ أَهلُ العَقلِ … بِكُتبِ اللَهِ وَقَولِ الرُسلِ

ثُمَّ أَزالَ الظُلمَةَ الضِياءُ … وَعاوَدَت جِدَّتَها الأَشياءُ

وَدانَتِ الشُعوبُ وَالأَحياءُ … وَجاءَ ما لَيسَ بَهِ خَفاءُ

أُتاهُمُ المُنتَجَبُ الأَواهُ … مُحَمَّدٌ صَلّى عَلَيهِ اللَهَ

أَكرَمُ خَلقِ اللَهِ طُرّاً نَفسا … وَمَولِداً وَمَحتَداً وَجِنسا

يَغشى لَهُ بِالشَرفِ الأَشرافُ … لا مِريَةٌ فيهِ وَلا خِلافُ

أَقامَ في مَكَّتِهِ سِنينا … حَتّى إِذا اِستَكمَلَ أَربَعينا

أَرسَلَهُ اللَهُ إِلى العِبادِ … أَشرِف بِهِ مِن مُنذِرٍ وَهادِ

فَظَلَّ يَدعوهُم ثَلاثَ عَشرَه … بِمَكَةٍ قَبلَ حُضورِ الهِجرَه

ثُمَّ أَتى مَحَلَّةَ الأَنصارِ … في عُصبَةٍ مِن قَومِهِ خِيارِ

أَوَّلُهُم صاحِبُهُ في الغارِ … أَفضَلُ تِلكَ العِصبَةِ الأَبرارِ

صِدّيقُها الصادِقُ في مَقالِهِ … المُحسِنُ المُجمِلُ في أَفعالِهِ

وَذاكَ في شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ … لِلَيلَتَينِ بَعدَ عَشرٍ كُمَّلِ

فَسُرَّتِ الأَنصارُ بِالمُهاجِرَه … وَكُلُّهُم يُؤثِرُ دارَ الآخِرَه

وَاِحتَشَدَت لِحَربِهِ القَبائِلُ … فَثَبَتَ الحَقُّ وَزالَ الباطِلُ

فَلَم يَزَل في يَثرِبٍ مُهاجِرا … عَشرَ سِنينَ غازِياً وَنافِرا

حَتّى إِذا ما ظَهَرَ الإيمانُ … وَخَضَعَت لِعِزِّهِ الأَوثانُ

وَبَلَّغَ الرِسالَةَ الرَسولُ … وَوَضَحَ التَأويلُ وَالتَنزيلُ

وَعُرفَ الناسِخُ وَالمَنسوخُ … وَكانَ مِن هِجرَتِهِ التاريخُ

ناداهُ مَن رَبّاهُ فَاِستَجابا … مِن بَعدِ ما اِختارَ لَهُ أَصحابا

عَدَّلَهُم في مُحكَمِ الكِتابِ … لِعَبدِهِ وَلِذَوي الأَلبابِ

مِن سورَةِ الحَشرِ وَفي آياتِ … من القُرَانِ غيرِ مُشكِلاتِ

قامَ أَبو بَكر الَّذي وَلّاهُ … أَمرَ صَلاةِ الناسِ وَاِرتَضاهُ

فَعاشَ حَولَينِ وَعاشَ أَشهُرا … ثَلاثَةً تَزيدُ ثُلثاً أَوفَرا

وَماتَ في شَهرِ جمادى الآخِرَه … يَومَ الثُلاثاءِ لِسَبعٍ غابِرَه

وَكانَتِ الرِدَّةُ في أَيّامِهِ … فَصَلَحَ النَقضُ عَلى إِبرامِهِ

وَقامَ مِن بَعدِ أَبي بَكرٍ عُمَرْ … فَبَرَزَت أَيّامُهُ تِلكَ الغُرَرْ

تَضَعضَعَت مِنهُ مُلوكُ فارِسِ … وَخَرَّتِ الرومُ عَلى المَعاطِسِ

أَسلَمَ كِسرى فارِسٍ إيوانُهُ … وَأَصبَحَت مَفروسَةً فُرسانُهُ

وَأَجلَت الرومُ عَن الشآمِ … وَأَدبَرَت مَخافَةَ الإِسلامِ

وَدانَتِ الأَقطارُ لِلفاروقِ … وَاِتَّسَعَت عَلَيهِ بَعدَ الضيقِ

وَوَهَبَ اللَهُ لَهُ الشَهادَهْ … جاءَ فَدَلَّتهُ عَلى السَعادَهْ

وَذاكَ مِن بَعدِ سِنينَ عَشرِ … وَشَطرِ حَولٍ يا لَهُ مِن شَطرِ

وَقامَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ الرِضا … بِالأَمرِ ثِنتَي عَشرَةٍ ثُمَّ مَضى

مُستَشهداً عَلى طَريقِ الحَقِّ … لَم يَثنِهِ عَنهُ بِبابِ الطُرقِ

وَفُوِّضَ الأَمرُ إِلى عَلِيِّ … الهاشِمِيِّ الفاضِلِ الزَكِيِّ

فَقامَ بِالأَمرِ سِنينَ أَربَعا … وَتِسعَةً مِن الشُهورِ شَرعا

ثُمَّ مَضى مُستَشهداً مَحمودا … عاشَ حَميداً وَمَضى مَفقودا

وَكانَ هذا عامَ أَربَعينا … مِنها اِنقَضَت مِن عِدَّةِ السِنينا

وَاِنتَقَلَ الأَمرُ عَن المَدينَهْ … وَكانَ حَقاً ما رَوى سَفينَه

عَن النَبِيِّ في وُلاةِ الأُمَّه … مِنَ المُلوكِ وَمِنَ الأَئِمَّه

ثُمَّ تولّى أمرهم معاويه … فعاش عشراً بعدَ عشر خاليَه

حَتّى إِذا أَوفاهُمُ عِشرينا … ماتَ مِن التاريخِ في سِتّينا

وَمَلَكَ الأَمرَ اِبنُهُ يَزيدُ … لا حازِمُ الرَأيِ وَلا رَشيدُ

وَقُتِلَ الحُسَينُ في زَمانِهِ … أَعوذُ بِالرَحمنُ مِن خُذلانِهِ

وَإِنَّ ما عاشَ ثَلاثُ حُجَجِ … وَأَشهُرٌ مِن بَعدِ حَملِ المَخرَجِ

ثُمَّ ابنه مُعَيَّةُ المُضعَّفُ … كان له دينٌ وعقلٌ يُعرفُ

فدام شهراً ثمَّ نصفَ شهرِ … وجاءه الموتُ عزيزَ الأمرِ

وتركَ الناسَ بغير عهدِ … توقّياً منهُ وفضلَ زهدِ

وَفُوِّضَ الأَمرُ إِلى مَروانِ … بَعدَ يَزيدَ وَهُوَ شَيخٌ فانِ

فَقَتَلَ الضَحّاكَ في ذي القِعدَه … بِدارِصٍ ثُمَّ اِستَمالَ جُندَه

وَلَم يَعِش إِلّا شُهوراً عَشرَه … وَلَيسَ شَيءٌ يَتَعَدّى قَدرَه

وَلَم يَزَل اِبنُ الزُبيرِ بَعدَهُ … تِسعَ سِنينَ لَيسَ يَألو جُهدَهُ

مُعتَصِماً بِالكَعبَةِ الحَرامِ … مُمتَنِعاً مِن إِمرَةِ الشآمِ

حَتّى تَوَلّى قَتلَهُ الحَجّاجُ … مِن بَعدِ ما ضاقَت بِهِ الفِجاجُ

وَكانَ هَدمُ الكَعبَةِ المَصونَه … وَوُقعَةُ الحَرَّةِ بِالمَدينَه

وَقامَ عَبدُ المُلكِ بنُ مَروان … مُستَنهِضاً لِلحَربِ غَيرَ وَسنان

حَتّى إِذا دانَت لَهُ الآفاقُ … وَأَقفَرَت مِن مُصعَبَ العِراقُ

وَمِن أَخيهِ البَلَدُ الحَرامُ … وَخافَ مِن سَطوَتِهِ الأَنامُ

ماتَ وَقَد عاشَ ثَلاثَ عَشرَه … وَأَشهُراً أَربَعَةً بِالإِمرَه

وَمَلَكَ الناسَ اِبنُهُ الوَليدُ … وَعِندَهُ الأَموالُ وَالجُنودُ

سَبعَ سِنينَ بَعدَها ثَمانِيَه … كامِلَة مِن الشُهورِ وافِيَه

ثُمَّ سُلَيمانُ بنُ عَبدِ المُلكِ … اِختيرَ لِلعَهدِ وَلَمّا يَترُكِ

فَعاشَ حَولَينَ وَثُلثَ حولِ … ثُمَّ أَتى دابِقِ مُرخى الذَيلِ

فَماتَ وَاِستَولى عَلى الأَمرِ عُمَر … بِسيرَةٍ مَحمودَةٍ بَينَ السِيَر

فَعاشَ عامَينِ وَنِصفَ عامِ … بِديرِ سَمعانَ سِوى الأَيّامِ

ثُمَّ تَوَلّى أَمرَهُم يَزيدُ … وَاللَهُ فَعالٌ لِما يُريدُ

وَهُوَ مِن أَولادِ عَبدِ المَلِكِ … ثالِثُهُم في عَهدِهِ المُشتَرِكِ

فَعاشَ حَولَينِ إِلى حَولَينِ … تَزيدُ أَشهُراً قَريرَ العَينِ

ثُمَّ تَوَلّى بَعدَهُ هِشامُ … أَخوهُ فَاِعتَدَّت لَهُ الأَقوامُ

فَلَم يَزَل عِشرينَ عاماً والِيا … إِلّا شُهوراً خَمسَةً بِواقِيا

ثُمَّ الوَليدُ بنُ يَزيدَ القاتِلُ … تَعاوَرَتهُ الأُسُدُ البَواسِلُ

مِن بَعدِ شَهرَينِ وَبَعدَ عامِ … وَبَعدَ عِشرينَ مِن الأَيّامِ

وَنَصَبَ الحَربَ لَهُ اِبنُ عَمِّهِ … مُستَنكِراً سيرَتَه بِزَعمِهِ

فَقُتِلَ الوَليدُ بِالبَخراءِ … مِن بَعدِ أَن أَثَخنَ بِالأَعداءِ

ثُمَّ يَزيدُ بنُ الوَليدِ الناقِصُ … عافَصَه الحينُ الَّذي يُعافِصُ

فَلَم يَعِش إِلّا شُهوراً سِتَّه … حَتّى أَزالَتهُ المَنايا بَغتَه

وَبايَعوا مَروانَ أَجمَعينا … فَكانَ حِصناً لَهُمُ حَصينا

وَلَم يَزَل خَمسَ سِنينَ وافِيَه … يَملُكُهُم وَأَشهُراً ثَمانِيَه

حَتّى أَتى اللَهُ وَلِيُّ النِعمَه … بِالحَقِّ مِنهُ رَأفَةً وَرَحمَه

وَاِختارَ لِلناسِ أَبا العَباسِ … مِن أَنجَدِ الناسِ خَيارِ الناسِ

آلِ النَبِيِّ مِن بَني العَبّاسِ … أَئِمَّةٍ أَفاضِلٍ أَكياسِ

فَعادَ نَصلُ المُلكِ في قُرابِهِ … وَرَجَعَ الحَقُّ إِلى أَصحابِهِ

ثُمَّ رَقى المَنبَرَ يَومَ الجُمعَه … في مَسجِدِ الكوفَةِ يُذري دَمعَه

فَقامَ في الدينِ قِيامَ مِثلِهِ … بِرَأيِهِ المَيمونِ حَسبَ فِعلِهِ

وَماتَ بَعدَ أَربَعٍ كَوامِلِ … وَسَبعَةٍ مِن أَشهُرٍ فَواضِلِ

وَقامَ بِالخِلافَةِ المَنصورُ … فَاِستَوسَقَت بِعَزمِهِ الأُمورُ

فَعاشَ ثِنتَينِ وَعِشرينَ سَنَه … يَحمي حِمى المُلكِ وَيُفني الخَوَنَه

ثُمَّ تُوُفّي مُحرِماً بِمَكَّه … فَوَرِثَ المَهدِيُّ عَنهُ مُلكَه

فَعاشَ عَشرَ حِجَجٍ وَشَهرا … وَنِصفَ شَهرٍ ثُمَّ زارَ القَبرا

وَاِستَخلَفَ الهادِيَ موسى بَعدَهُ … وَكانَ قَد وَلّاهُ قَبلُ عَهدَهُ

وَعاشَ موسى سَنَةً وَشَهرَين … تَنقُصُ يَوماً واحِداً أَو اِثنَين

وَقامَ بِالخِلافَةِ الرَشيدُ … المُلكُ المُمَنَّعُ السَعيدُ

فَعاشَ عِشرينَ وَوَفّى عَدَّها … وَعاشَ عامَينِ وَعاماً بَعدَها

وَنِصفَ شَهرٍ ثُمَّ وافاهُ الأَجَل … بِطوسَ يَومَ السَبتِ فَاِنهَدَّ الجَبَل

وَبايَعوا مُحَمَّدَ الأَمينا … وَنَكَثوا البَيعَةَ أَجمَعينا

إِلّا قَليلاً وَالقَليلُ أَحمَدُ … وَالمَوتُ لِلناسِ جَميعاً مَوعِدُ

فَأَمَّنوهُ ثُمَّ قَتَلوهُ … ما هكَذا عاهَدَهُم أَبوهُ

ما عاشَ إِلّا أَربَعاً وَأَشهُرا … حَتّى تَهادوا رَأسَهُ مُعَفَّرا

وَبايَعوا المَأمونَ عَبدَ اللَهِ … فَبايَعوا يَقظانَ غَيرَ ساهِ

وَفّاهُمُ خِلافَةَ المَنصورِ … في عَدَدِ السِنينَ وَالشُهورِ

ثُمَّ أَتى الرومَ فَماتَ غازِيا … كانَ البَذَندونَ المَحَلَّ القاصِيا

وَقُلِّدَ الأَمرَ أَبو إِسحاقِ … فَاِنقَضَّ كَالصَقرِ عَلى العِراقِ

مُعتَصِماً بِاللَهِ غَيرَ غافِلِ … فَأَيَّدَ الأَمرَ بِرَأيٍ فاضِلِ

وَقامَ فيهِم حُجَجاً ثَمانِيا … وَمِثلَها مِنَ الشُهورِ باقِيا

وَنَحوَ عِشرينَ مِنَ الأَيّامِ … وَخَمسٍ اَدْنَتهُ مِنَ الحِمامِ

وَماتَ في شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ … وَعُمرُهُ خَمسونَ لَم يَستَكمِلِ

فَبايَعوا مِن بَعدِهِ لِلواثِقِ … وَكانَ ذاكَ بِالقَضاءِ السابِقِ

وَلَم يَزَل في بَسطَةٍ وَمَنعَه … خَمسَ سِنينَ وَشُهوراً تِسعَه

وَزادَ أَيّاماً عَلَيها خَمسَه … مَعدودَةً ثُمَّ تَوارى رَمسَه

وَبايَعَ الناسُ الإِمامَ جَعفَرا … خَليفَةَ اللَهِ الأَغَرَّ الأَزهَرا

بَعدَ ثَلاثينَ وَميتَي عامِ … وَبَعدَ حَولَينِ سِوى أَيّامِ

خَلَت مِن الهِجرَةِ في الحِسابِ … في العَرَبي المُحكَمِ الصَوابِ

لِسِتَّةٍ بَقينَ مِن ذي الحِجَّةِ … فَأَوضَحَ السَبيلَ وَالمَحِجَّه

وَقامَ في الناسِ لَهُم خَليفَه … خِلافَةً مُنيفَةً شَريفَه

قَد سَكَّنَ اللَهُ بِهِ الأَطرافا … فَما تَرى في مُلكِهِ خِلافا

أَقامَ عَشراً ثُمَّ خَمساً بَعدَها … مِنَ السِنينَ فَأَبانَ مَجدَها

ثُمَّ تَوَلّى قَتلَهُ الفَراغِنَه … وَساعَدَتهُم عِصبَةٌ فَراعِنَه

لِأَربَعٍ خَلَونَ مِن شَوّالِ … فَأَصبَحَ المُلكُ أَخا اِختِلال

وَبايَعوا مِن بَعدِهِ لِلمُنتَصِر … فَأَصبَحَ الرابِحُ مِنهُم قَد خَسِر

فَعاشَ في السُلطانُ سِتَّةَ اَشهُرِ … أَخرَجَهُم مِن مُلكِهِ وَالعَسكَرِ

ثُمَّ أَتاهُ بَغتَةً حَمامُهُ … سُبحانَ مَن يُعاجِلُ اِنتِقامُهُ

فَاِنتَخَبَ اللَهُ لَهُم إِماما … يُؤَيِّدُ اللَهُ بِهِ الإِسلاما

وَبايَعوا بَعدَ الرِضا لِأَحمَدِ … المُستَعينِ بِالإِلهِ الأَحَدِ

وَكانَ في العِشرينَ مِن وُلاتِها … مِن آلِ عَبّاسٍ وَمِن حُماتِها

فَنَحنُ في خِلافَةٍ مُبارَكَه … خَلَت عَن الإِضرارِ وَالمُشارَكَه

فَالحَمدُ لِلَّهِ عَلى إِنعامِهِ … جَميعُ هذا الأَمرِ مِن أَحكامِه

ثُمَّ السَلامُ أَوَّلاً وَآخِرا … عَلى النَبِيُّ باطِناً وَظاهِرا