إن المنِيَّة َ لا تبقي على أحدِ – ابن الرومي
إن المنِيَّة َ لا تبقي على أحدِ … ولا تهابُ أخا عز ولا حَشَدِ
هذا الأميرُ أتتهُ وهوَ في كنفٍ … كاللّيل من عُدَدٍ ما شئتَ أو عدَدِ
من كلِّ مُستَعذِبٍ للموتِ دَيْدَنُهُ … بَزُّ الكُماة ِ ولبسُ البيض والزَّرَدِ
مُعتادة ٌ قَنَصَ الأبطال شِكَّتُهُ … يرى الطَّرادَ غداة الرَّوعِ كالطَّرَدِ
كأنه اللَّيْثُ لا تثني عزيمتَهُ … إلاَ عَزيمتُهُ أو جرعة ُ النَّفَدِ
ولم تزلْ طوعَ كَفَّيهِ يُصَرِّفُها … بين الأنام ولا تعْصِيه في أَحَدِ
حتى أتاه رسولُ الموت يُؤذِنُهُ … أن البقاء لوجه الواحد الصَّمَد
لله من هالِكٍ وافَى الحِمامُ بِهِ … أُخرى الحياة ِوأخرى المجدِ في أمدِ
كم مُقْلة ٍ بعدَه عَبْرَى مُؤرَّقَة ٍ … كأنَّما كُحِلَتْ سَمَّاً على رمدِ
جادتْ عليه فأغنتْ أن يُقال لها … ياعينُ جودي بدمعٍ منك مُطَّردِ
إنْ لا يكن ظُفُرُ الهَيجَا مَنِيَّتَهُ … فأكرمُ النَّبْتِ يذوِي غير مُحتصَدِ
أما ترى الغَرْسَ لا تَذوي كَرائمُهُ … ألا على سُوقِها في سائر الأبدِ
لِمِيتة ِ السَّيْفِ قَومٌ يشرفونَ بها … لَيسوا من المجْدِ في غاياتِه البُعَدِ
عزُّ الحياة وعزُّ الموت ما اجتمعا … أسنى وأبنى لِبيت العزِّ ذي العُمُدِ
مَوتُ السَّلامة للإنسان نَعْلَمُهُ … وإنَّما القِتْلَة ُ الشَّنعاءُ للأسَدِ
لم يُعمِل السَّيْفَ ظُلماً في ضرائبه … فلم يسلطْ عليه سيفُ ذي قَوَدِ
لا تبعدَنَّ أبا العباس من مَلِكٍ … وإنْ نأيتَ وإن أصبحت في البَعَدِ
غادرتَ حوضَ المنايا إذْ شَربتَ بِهِ … عذْبَ المذاق كذوب الشَّهْد بالبَردِ
وإن فَضْلة َ كأسٍ أنتَ مُفْضِلُها … لَذاتُ بَرْدٍ على الأحشاء والكَبدِ
ما متَّ بل مات أهلُ الأرض كلُّهمُ … إذ بنتَ منهم وكنت الروح في الجسدِ
فأنت أولى وإن أصبحت في جَدَثٍ … بأن تُعَزَّى بأهل الوعث والجُدُدِ
كم من مصائبَ كان لدهرُ أخْلَقَها … أضحى بك النَّاسُ في أثوابها الجُدُد
من بين باكٍ له عينٌ تساعده … وبين آخر مَطويٍّ على كمدِ
فَعَبْرَة ٌ في حُدُور لا رُقُوء لها … وزفرة ٌ تملأ الأحشاء في صَعَدِ
سوَّيْتَ في الحُزن بين العالمينَ كما … سوَّيْتَ بينهُم في العيشة الرَّغَدِ
بثَثْتَ شَجْوَكَ فيهم إذ فُقدْتَ كما … بثثت رفْدَكَ فيهم غَيْرَ مُفْتَقَدِ
عَدْلاً حياة وموت منك لو وُزِنا … هذا بذاك لم يَنْقُصْ ولم يَزدِ
قدْ كنتَ أنْسَيْتَهُمْ أن يذْكُروا حَزَناً … فَاليوم ينسون ذكرَ الصبر والجلدِ
نَكَأتَ منهم كُلُوماً كان يَكلِمُها … رَيْبُ الزمان فتأسوها بخَيْرِ يَدِ
عجبت للأرض لم تَرجُفْ جوانبها … وللجبال الرَّواسي كيفَ لمْ تَمدِ
عجبتُ للشمس لم تُكسفْ لمهلِكِهِ … وهو الضِّياء الذي لولاه لم تقدِ
هَلاَّ وَفَتْ كوفاء البدر فادَّرَعَتْ … ثوبَ الكُسُوف فلم تُشْرقْ على بلدِ
لا ظُلْمَ لَوْ شاهدَتْ من حال مَصْرَعه … ما شاهدَ البدرُ لم تشرق ولم تكَدِ