إربأ بنفسك أن تكون نجيبا – جبران خليل جبران
إربأ بنفسك أن تكون نجيبا … وازجر خليلك أن يكون أديبا
فلقد أرى موت الأديب حياته … والعيش موتا يلتقيه ضروبا
وأرى جوائز فضله وعلومه … إعساره والداء والتعذيبا
يا للذكءا ينيرنا بضيائه … ويكون للجسم المضيء مذيبا
اللعلوم نظنها نعما لنا … فنصيبها نقما لنا وخطوبا
ماذا أفادك أن تكون محررا … ومحبرا ومفوها ولبيبا
من كل مبتكر أغر محجب … إلا عليك فلم يكن محجوبا
ومجدد كالدر يبدل صوغه … فتخاله عين الخبير قشيبا
نظم تزيد به الحقيقة رونقا … وتعيد مبتذل الأمور غريبا
كالشمس يسطع نورها في حمأة … فيحيل قاتم لونها تذهيبا
يا خير من خط الرثاء لو أنه … يجري لسال محاجرا وقلوبا
هلا نعيت به شبابك قبل أن … تنعى محبا راحلا وحبيبا
يا ناسجا برد الروايات التي … ترمي بها الغرض الشريف مصيبا
هلا قصصت حديث شهم لم يصب … غير الشقاء من الذكاء نصيبا
غصن نما حتى زكت أثماره … فرماه كيد زمانه مقضوبا
فمضيت مبكيا وما يغنيك لو … أنا ملأنا الخافقين نحيبا
هذا جزاؤك باحثا متسهدا … مستنفدا عرق الجبين صبيبا
هذا جزاؤك فاضلا في أمة … ما زال فيها الألمعي غريبا
يتفكه النفر الأفاضل منهم … بجنى حياتك شاعرا وأريبا
يتفكهون بأحرف أودعتها … تلخيص عمرك مشرقا ومغيبا
مهلا وداعك للحياة تخطه … من مهجة كادت تجف نضوبا
نفثات مصدور علت زفراته … حتى نرى التصعيد والتصويبا
عبرات محتضر يضيء كشمعة … تفنى وترسل دمعها مسكوبا
كلم كستهن الكآبة لونها … فحكين أنوار الزوال غروبا
فارقد كما أحرى الردى وهو الكرى … أن يستطاب على الأسى فيطيبا
ألقبر أفضل للفتى من مضجع … فيه يقلب موجها تقليبا
وجلامد الأرماس أهون محملا … من أن يحمل مثلهن كروبا