إذا لمْ يكنْ مِنْ حادِثِ الدَّهْرِ موئِلُ – ابن الخياط
إذا لمْ يكنْ مِنْ حادِثِ الدَّهْرِ موئِلُ … ولمْ تُغنِ عنكَ الحزنُ فالصبرُ أجملُ
وأهونُ ما لاقيتَ ما عزَّ دفعهُ … وقدْ يصَعُبُ الأمرُ الأشَدُّ فيَسْهُلُ
وما هذه الدنيا بدارِ إقامة ٍ … فيَحْزَنَ فِيها القاطِنُ المُتَرَحِّلُ
هِيَ الدَّارُ إلاَّ أنَّها كَمَفَازَة ٍ … أناخَ بِها رَكْبٌ وَرَكْبٌ تَحَمَّلُوا
مُنينَا بِها خَرْقَاءَ لا العَذْلُ تَرْعَوِي … إليهِ ولا محضَ النصيحَة تقبلُ
لَنا وَلَها فِي كُلِّ يَومٍ عَجائِبٌ … يَحَارُ لَها لُبُّ اللَّبِيبِ ويذْهَلُ
يَطُولُ مَدَى الأفْكارِ فِي كُنْهِ أمْرِها … فَيَنْكُصُ عَنْ غَاياتهِ المُتَوغِّلُ
وإن لمنْ مرِّ الجديدينِ في وغى ً … إذا فرَّ منهَا جحفلٌ كرَّ جحفلُ
تجرِّدُ نصلاً والخلائقُ مفصِلٌ … وَتُنْبِضُ سَهْماً والبَرِيَّة ُ مَقْتَلُ
فَلا نَحْنُ يَوماً نَستَطِيعُ دِفَاعَها … وَلاَ خَطْبُها عَنَّا يَعِفُّ فيُجْمِلُ
وَلاَ خَلْفَنَا مِنْها مَفَرٌّ لِهارِبٍ … فكيفَ لمنْ رامَ النجاة َ التَّحيُّلُ
وَلا نَاصِرٌ إلاَّ التَّمَلْمُلُ والأسَى … وماذا الذي يُجدِي الأسى والتململُ
نبيتُ على وعدٍ منَ الموتِ صادقٍ … فمنْ حائنٍ يقضى وآخرَ يُمطلُ
وَكُلٌّ وإنْ طَالَ الثَّواءُ مَصِيرُهُ … إلى موردٍ ما عنْهُ للخلقِ معدِلُ
فَوا عَجَبا مِنْ حَازِمٍ مُتَيَقِّنٍ … بأنْ سَوْفَ يَرْدى كَيْفَ يَلْهُو ويَغْفُلُ
ألا لاَ يَثِقْ بالدَّهْرِ مَا عَاشَ ذُو حِجى ً … فَما وَاثِقٌ بالدَّهْرِ إلاَّ سَيَخْجَلُ
نَزَلْتُ علَى حُكْمِ الرَّدَى في مَعاشِرِي … ومن ذا على حُكمِ الردى ليس ينزلُ
تبدَّلتُ بالماضينَ منهُمْ تعلَّة ً … وأيْنَ مِنَ المَاضِينَ مَنْ أتَبَدَّلُ
إذَا ماءُ عَيْنِي بَانَ كَانَ مُعَوَّلِي … علَى الدَّمْعِ إنَّ الدَّمْعَ بِئْسَ المِعَوَّلُ
كفى حزَناً أن يُوقِنَ الحيُّ أنهُ … بسيفِ الردى لا بُدَّ أنْ سوفَ يُقتلُ
لِيَبْكِ جَمَالَ الدَّوْلَة ِ البَأسُ والنَّدَى … إذا قلَّ مَنَّاعٌ وأعوزَ مُفضِلُ
فَتى ً كَانَ لاَ يُعْطِي السَّواءَ قَسِيمَهُ … إباءً إذا مَا جاشَ لِلْحَرْبِ مِرْجَلُ
ولاَ يعرِفُ الإظماء في المحلِ جارُهُ … سَماحاً وَلَوْ أنَّ المَجَرَّة َ مَنْهَلُ
فمنْ مُبلِغُ العلْياءِ أنِّيَ بعدَهُ … ظمئْتُ وأخلافُ السحائِبِ حُقَّلُ
فَوا أسفَا مَنْ لِلطَّرِيدِ يُجْيرُهُ … إذا نَاشَهُ نابٌ مِنَ الخَوْفِ أعْصَلُ
وَوا أسَفاً مَنْ للفقيرِ يميرُهُ … إذا شفَّهُ داءٌ مِنَ الفقرِ مُعضِلُ
تهدَّمَ ذاكَ الباذِخُ الشامِخُ الذُّرى … وأقْلَعَ ذاك العارِضُ المُتَهَلِّلُ
فَيا مَانِعَ اللاَّجِينَ ها أنَا مُسْلَمٌ … وَيَا مُمْطِرَ الرَّاجِينَ ها أنا مُمْحِلُ
أحِينَ احْتَبى فِيكَ الكَمَالُ وَخُوِّلَتْ … يداكَ من العلْياءِ ما لا يُخوَّلُ
وشايعكَ العزمُ الفَتيُّ وناضَلَ النَّـ … ـوائبَ عنكَ السُّؤْدَدُ المُتكَهِّلُ
ولمْ تُبْقِ حظاً مِنْ عُلاً تستزيدُهُ … ولا حُلَّة ً مِنْ مفخرٍ تتسربَلُ
رَمَاكَ فأصْمَاكَ الزَّمانُ بِكَيْدِهِ … كذا تنقُصُ الأقمارُ أيَّانَ تكمُلُ
وما كنتُ أخشى أن يَفُوتَ بكَ الرَّدى … ولمَّا يكنْ يومٌ أغرُّ محجَّلُ
ولمَّا يَقُمْ مِنْ دُونِ ثأْرِكَ معشَرٌ … إذا عزمُوا في النَّائِباتِ توكَّلُوا
مَناجُيدُ وثَّابُونَ فِي كُلِّ صَهْوَة ٍ … مِنَ العِزِّ قَوَّالُونَ لِلْمَجْدِ فُعَّلُ
أتَذْهَبُ لَمْ يُشِرَعْ أمامَكَ ذَابِلٌ … لمنعِ ولَمْ يُشْهَرْ وراءَكَ مُنْصُلُ
فهَلاَّ بِحيثُ المَشْرَفِيَّة ُ رُكَّعٌ … تُكَبِّلُ في هامِ العِدى وتُهَلِّلُ
وألاَّ بحيثُ السمهرية ُ شُرَّعٌ … تُعَلُّ مِنَ الأكبادِ ريّا وتُنهَلُ
كدأْبكَ أيامَ الحوادِثُ نُوَّمٌ … وجدُّكَ يقظانٌ وحدُّكَ مقصَلُ
فَهَلْ عَالِمٌ جَيْهانُ أنَّكَ بَعدَهُ … رمى بِكَ مرماهُ الحِمامُ المُعجَّلُ
سلكْتَ وإيَّاهُ سبيلاً غدَا بهِ … زمانُكُما في قِسمة ِ الجورِ يعدِلُ
سقاكَ وإنْ لم يُرْضِنِي فيكَ وابِلٌ … ولوْ حلَّ لِي قُلتُ الرَّحيقُ المُسلسلُ
مِنَ المُزْنِ مَشْمُولٌ يَرِفُّ كأنَّهُ … بِجُودِ جَلالِ المُلْكِ يَهْمِي ويَهْطِلُ
ومهمَا هفَتْ يوماً من الجَوِّ نفحة ٌ … فَهَبَّ بِحِضْنَيْكَ النَّسِيمُ المُمَنْدَلُ
وَلاَ عَدِمَ المَوْلَى مِنَ الأجْرِ خَيْرَهُ … وبُلِّغَ فِي أعْدَائهِ مَا يُؤَمِّلُ
فِدَى ً لَكَ مِنْ تَحْتَ السَّماءِ وَلاَ تَزَلْ … وَمَجْدُكَ مَرْفِوعُ البِناءُ مُؤَثَّلُ
إذَا جَلَّ خَطْبٌ غالَ هَمَّكَ عِنْدَهُ … نُهى ً تَسَعُ الخَطْبَ الجَلِيلَ وتَفْضُلُ
وأرْغَمْتَ أنْفَ النَّائِبَاتِ بِوَطْأَة ٍ … تخِفُّ على ظهرِ الزمانِ وتثقُلُ
وأيُّ مُلِمٍّ يَزْدَهِيكَ وإنَّمَا … بحلمكَ في أمثالِهِ يُتمثَّلُ
غنِيتَ بما تقضي به عندَكَ النُّهى … وفضْلِكَ عنْ تعريفِ ما لَسْتَ تهجَلُ
ومَاذَا يَقُولُ القائِلُونَ لِمَاجِدٍ … أصِيلِ الحجى في لفظة ٍ منهُ فيصَلُ