إذا المرء لم يحقن دما لابن عمه – الفرزدق

إذَا المَرْءُ لمُ يَحْقُنْ دَماً لابن عَمّهِ … بمَخْلُولَةٍ مِنْ مَالِهِ أوْ بمُقْحَمِ

فَلَيْسَ بذي حَقٍّ يُهَابُ لحَقّهِ، … وَلا ذي حَريمٍ تَتّقِيهِ لمَحْرَمِ

فَخَلّ عن الحَيّاتِ إنْ نَهَدَتْ لهُ، … وَلا تَدْعُوَنْ يَوْماً بهِ عندَ مُعظَمِ

أبَى حَكَمٌ مِنْ مَالِهِ أنْ يُعِينَنَا … على حَلّ حَبْلِ الأبْيَضِيّ بدِرْهَمِ

وَقُلْتُ لَهُ: مَوْلاكَ يَدْعُو يَقودُهُ … إلَيْكَ، بحَبْلٍ، ثائِرٌ غَيرُ مُنعِمِ

بكَى بَينَ ظَهْرَيْ رَهْطِهِ بَعدَما دعا … ذَوي المُخّ مِنْ أحسابِهِمْ وَالمُطَعَّمِ

فقالَ لهُمْ: رَاخُوا خِناقي وَأطْلِقُوا … وَثَاقي فَإني بَينَ قَتْلٍ وَمغْرَمِ

وَمِنْ حَوْلِهِ رَهْطٌ أصَابَ أخاهُمُ … بهازِمَةٍ تَحْتَ الفَرَاشِ المُحَطَّمِ

بَنُو عَلّةٍ مُسْتَبْسِلُونَ قَدِ التَوَتْ … قُوَاهُمْ بِثأرٍ في المَرِيرَةِ مُسْلَمِ

وَلَمْ يَدْعُ حتى ما لَهُ عِندَ طَارِقٍ … ولا سَائِرِ الأبْنَاءِ مِنْ مُتَلَوَّمِ

فقالوا: استَغِثْ بالقَبرِ أوْ أسمعِ ابنَهُ … دُعاءَكَ يَرْجِعْ رِيقُ فيكَ إلى الفَمِ

فَأقْسَمَ لا يَخْتَارُ حَيّاً بِغَالِبٍ، … وَلَوْ كانَ في لحدٍ من الأرْضِ مُظْلِمِ

دَعا بَينَ آرَامِ المَقَرّ ابنَ غالِبٍ، … وَعاذَ بِقَبْرٍ تَحْتَهُ خَيرُ أعْظُمِ

فَقُلْتُ لَهُ أقرِيكَ عَنْ قَبرِ غالِبِ … هُنَيْدَةَ إذْ كَانَتْ شفَاءً من الدمِ

يَنامُ الطّرِيدُ بَعدَها نَوْمةَ الضّحَى، … وَيَرْضَى بهَا ذُو الإحْنَةِ المُتَجَرِّمِ

فَقامَ عَنْ القَبْرِ الذي كانَ عائِذاً … بهِ إذا أطافَتْ عِيطُها حَوْلَ مُسلَمِ

وَلَوْ كانَ زَبّانُ العُلَيميُّ جَارَهَا، … وَآلُ أبي العاصِي غَدَتْ لمْ تُقَسَّمِ

وَفيمَ ابنُ بَحْرٍ من قِلاصِ أشَذَّهَا … بِسَيْفَينِ أغْشَى رَأسَهُ لَمْ يُعَمَّمِ

وَلمْ أرَ مَدْعُوَّينِ أسْرَعَ جَابَةً، … وَأكْفَى لِرَاعٍ مِنْ عُبَيْدٍ وَأسَلَمِ

أهِيبَا بهَا يا ابْنَيْ جُبَيْرٍ، فإنّهَا … جَلَتْ عَنْكُما أعناقُها لَوْنَ عِظلِمِ

دَفَعْتُ إلى أيْديهِمَا فَتقَبّلا … عَصَا مئَةٍ مثل الفَسِيلِ المُكَمَمِ

فَرَاحَا بِجُرْجُورٍ كَأنّ إفَالَهَا … فَسِيلٌ دَماً قِنْوَانُهُ مِنْ مُحَلِّمِ

ألا يا اخْبِرُوني أيّها الناسُ إنّمَا … سألتُ وَمَنْ يَسألْ عن العِلمِ يَعلَمِ

سُؤالَ امرِىءٍ لمْ يُغفلِ العِلمَ صَدرُه، … وَما العالمُ الوَاعي الأحاديثَ كالعَمي

ألا هَلْ عَلِمْتُمْ مَيّتاً قَبْلَ غالبٍ … قَرَى مِئَةً ضَيْفاً، ولَمْ يَتَكَلّمِ؟

أبي صَاحبُ القَبْرِ الذي مَنْ يَعُذْ بِه … يُجْرْهُ مِنَ الغُرْمِ الذي جَرّ وَالدّمِ

وَقَد عَلِمَ السّاعي إلى قَبرِ غَالِبٍ، … من السّيْفِ يَسعى، أنّهُ غَيرُ مُسلَمِ

وَإذ نحّبَتْ كَلْبٌ على النجاسِ أيُّهمْ … أحَقُّ بِتَاجِ المَاجِدِ المُتَكَرّمِ

على نَفَرٍ هُمْ مِنْ نِزَارٍ ذُؤابَةٌ، … وَأهْلُ الجَرَاثِيمِ التي لمْ تُهَدَّمِ

على أيّهِمْ أعْطَى وَلمْ يَدْرِ مَن همُ، … أحَلَّ لَهُمْ تَعقِيلَ ألْفٍ مُصَتَّمِ

فَلمْ يَجلُ عن أحسابِهمْ غَيرُ غالبٍ … جَرَى بعِنانَيْ كُلّ أبْلَجَ خِضْرِمِ

وَلَوْ قَبِلَتْ سَيْدانُ مِني حَلِيفَتي، … شَفَيْتُ بهَا ما يَدّعي آلُ ضَمضَمِ

لأعطيتُ ما أرْضَى هُبَيْرَةَ قَائِماً … مِنَ المُعلَنِ البادي لَنا والمُجَمجَمِ

وَكُنْتُ كمَسْؤولٍ بِأحداثِ قَوْمِهِ … ليُصْلِحَهَا، مَنْ لَيسَ فيها بمُجرِمِ

وَلكِنْ إذا ما المُصْلِحُونَ عَصَاهُمُ … وَليٌّ، فَما للنّصْحِ مِنْ مُتَقَدَّمِ