أَجَلٌ وإن طال الزمانُ مُوافي – أحمد شوقي

أَجَلٌ وإن طال الزمانُ مُوافي … أَخْلى يدَيْكَ من الخليلِ الوافِي

داعٍ إلى حقٍّ أهابَ بخاشعٍ … لبس النذيرَ على هُدًى وعفاف

ذهب الشبابُ ، فلم يكن رزئي به … دونَ المصابِ بصَفوة الأُلاَّف

جَللٌ من الأَرزاءِ في أَمثاله … هممُ العزاءِ قليلة ُ الإسعاف

خفَّتْ له العبراتُ ، وهي أبيَّة ٌ … في حادثاتِ الدهر، غيرُ خِفاف

ولكلّ ما أَتلفْتَ من مُستكرَمٍ … إلا مودّاتِ الرجالِ تَلاف

ما أنتِ يا دنيا ؟ أرؤيا نائمٍ … أم ليلُ عرسٍ ، أم بساط سلاف ؟

نعماؤكِ الرَّيحانُ ، إلا أنه … مسَّتْ حواشيه نقيعَ زعافي

مازلتُ أصحبُ فيكِ خلقاً ثابتاً … حتى ظفرتُ بخلقكِ المتنافي

ذهب الذبيحُ السمحُ مثل سميِّه … طهرَ المكفَّنِ ، طيِّب الألفاف

كم بات يذبحُ صدرَه لشكاته … أَتُراه يحسبها من الأَضياف؟

نَزَلتْ على سَحْرِ السَّماح ونَحْرِه … وتقاَّبتْ في أكرمِ الأكناف

لَجَّتْ على الصَّدر الرحيبِ وبرِّحَتْ … بالكاظم الغيظِ ، الصَّفوح ، العافي

ما كان أقسى َ قلبها من علَّة … علقتْ بأرحم حيَّة وشغاف

قلبٌ لو انتظم القلوبَ حَنانهُ … لم يبْق قاسٍ في الجوانح جافي

حتى رماه بالمنيَّة فانجلتْ … منْ يبتلي بقضائه ويعافى

أخنتْ على الفلكِ المدارِ فلم يدرْ … وعلى العباب فقرَّ في الرجّاف

ومَضَتْ بنارِ العبقريّة ِ، لم تَدَعْ … غيرَ الرَّمادِ، ودارساتِ أَثافي

حَملوا على الأَكتاف نورَ جلالة ٍ … يذرَ العيونَ حواسدَ الأكتاف

وتقلَّلدوا النعشَ الكريمَ يتيمة ً … ولكَمْ نعوشٍ في الرقاب زياف

متمايلَ الأعوادِ ممّا مسَّ من … كرمٍ ، وممّا ضمَّ من أعطاف

وسَلامُ أَهلٍ وُلَّعٍ وصَحابة ٍ … وإذا جلالُ العبقريّة ِ ضافي

ويحَ الشبابِ وقد تخطَّرَ بينهم … هل متِّعوا بتمسُّحٍ وطواف ؟

لوعاش قدوتهم وربُّ لوائهم … نكسَ اللواءَ لثابتٍ وقَّاف

فلكَمْ سقاه الودَّ حينَ وِدادُه … حربٌ لأَهل الحكمِ والإشراف

لا يومَ للأقوامِ حتى ينهضوا … بقوادمٍ من أمسهم وخوافي

لا يُعْجِبنَّكَ ما ترى من قُبَّة ٍ … ضربوا على موتاهُم، وطِراف

هجموا على الحقِّ المبينِ بباطلٍ … وعلى سبيل القصدِ بالإسراف

يبنون دارَ الله كيف بدا لهم … غُرُفاتِ مُثْرٍ، أَو سقيفة َ عافي

ويُزوِّرون قبورَهم كقصورهم … والأرضُ والرُّفاتُ السافي

فُجعَتْ رُبى الوادي بواحد أَيكِها … وتجرَّعَت ثُكْلَ الغدير الصافي

فقدتْ بناناً كالربيع، مُجيدة ً … وشْيَ الرياضِ وصنعَة َ الأَفواف

إن فاته نسَبُ الرَّضِيِّ فرُبَّما … جريا لغاية سؤددٍ وطراف

أَو كان دون أَبي الرضيِّ أُبوَّة ً … فلقد أعادَ بيانَ عبد منافِ

شرفُ العصاميِّين صنعُ نفوسهم … مَن ذا يقيس بهم بني الأَشراف؟

قل للمشير إلى أبيهِ وجدهِ … أَعَلِمْتَ للقمرَيْنِ من أَسلاف؟

لو أَن عمراناً نِجارُك لم تَسُدْ … حتى يُشارَ إليك في الأَعراف

قاضي القضاة جَرَتْ عليه قضيّة ٌ … للموتِ ، ليس لهامن استئناف

ومصرِّفُ الأحكام موكولٌ إلى … حكم المنيَّة ، ما له من كافي

ومنادمُ الأملاكِ تحت قبابهم … أَمسى تُنادِمُه ذِئابُ فَيَافي

في منزلٍ دارت على الصِّيد العلا … فيه الرَّحى ومشتْ على الأرداف

وأزيلَ من حسن الوجوهِ وعزِّها … ما كان يعبد من وراءِ سِجاف

من كلِّ لمَّاحِ النعيم تَقلَّبتْ … ديباجتاهُ على بلى وجغاف

وترى الجماجمَ في الترابِ تماثلتْ … بعدَ العقولِ تماثلِ الأصداف

وترى العيونَ القاتِلاتِ بنظرة ٍ … مَنهوبَة َ الأَجفانِ والأَسياف

وتُراعُ من ضَحِكِ الثُّغورِ، وطالما … فتنتْ بحلو تبسُّمٍ وهتاف

غزت القرونَ الذاهبين غزالة ٌ … دمُهم بذِمّة قرْنِها الرَّعّاف

يجري القضاءُ بها ، ويجري الدهرُ عن … يدها ، فيا لثلاثة ٍ أحلاف

ترمي البريَّة َ بالحبولِ ، وتارة ً … بحبائلٍ من خَيْطها وكفاف

نسجتْ ثلاثَ عمائمٍ ، واستحدثتْ … أكفانَ موتى من ثيابِ زفاف

أأبا الحسين ، تحية ً لثراكَ من … روحٍ وريحانٍ وعذبِ نطاف

وسلامُ أهلٍ ولَّهٍ وصحابة ٍ … حَسرَى على تلك الخِلالِ لِهاف

هل في يديَّ سوى قريضٍ خالدٍ … أزجيهِ بين يديكَ للإتحاف ؟

ماكان أكرمه عليك فهل ترى … أني بعثتُ بأكرمِ الألطاف ؟

هذا هو الرَّيحانُ ، إلا أنه … نَفحاتُ تلك الروْضة ِ المِئْناف

والدُّرُّ ، إلا أن مهدَ يتيمه … بالأمسِ لجَّة ُ بحرك القذَّاف

أَيامَ أَمرَحُ في غُبارِكَ ناشئاً … نَهْجَ المهار على غُبار خِصاف

أَتعلَّمُ الغاياتِ كيف تُرامُ في … مضمارِ فضلٍ أو مجالِ قوافي

يا راكبَ الحدباءِ، خلِّ زِمامَها … ليس السبيلُ على الدليل بِخافي

دانَ المطيَّ الناسُ، غيرَ مطيَّة ٍ … للحقِّ ، لا عجلَى ، ولا ميجاف

لا في الجيادِ ، ولا النِّياقِ ، وإنما … خُلِقَتْ بغير حوافرٍ وخِفاف

تنتاب بالركبانِ منزلة َ الهدى … وتؤمُّ دار الحقِّ والإنصاف

قد بلغتْ ربَّ المدائنِ ، وانتهتْ … حيثُ انتهيْتَ بصاحبِ الأَحقاف

نمْ ملءَ جفنك ، فالغدوُّ غوافلٌ … عمّا يَروعك، والعَشِيُّ غوافي

في مضجع يكفيك من حسناتهِ … أَن ليس جَنْبُك عنه بالمتجافي

واضحك من الأقدارِ غير معجَّزِ … فاليوم لست لها من الأهداف

والموتُ كنتَ تخافه بك ظافراً … حتى ظفرت به ، فدعه كفاف

قُلْ لي بسابقة ِ الوِدادِ: أَقاتِلٌ … هو حين يَنزِلُ بالفَتى ، أَم شافي؟

في الأَرضِ من أَبوَيْكَ كنزا رحمة ٍ … وهوًى ، وذلك من جِوارٍ كافي

وبها شبابك واللِّداتُ ، بكيته … وبكيتهم بالمدمع الذَّرَّاف

فاذهب كمصباحِ السماءِ ، كلاكما … مال النهار به ، وليس بطافي

الشمسُ تخلفُ بالنجومِ وأنت بال … آثار ، والأخبار والأوصاف

غلب الحياة َ فتًى يسدُّ مكانَها … بالذكرِ، فهو لها بَدِيلٌ وافي