أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ – عبدالغفار الأخرس

أنا في هَواكم مُطْلَقٌ ومُقَيَّدُ … وبقُرْبكم أجدُ الحياة َ وأفْقِدُ

إنْ تعطفوا فهو المنى أو تهجروا … فحسى ً تذوب ولوعة ٌ تتوقد

يا دمعَ عينيّ المراق له دمي … ما لي على الزفرات غيرك مسعد

ولقد وجدت الوجد غير مفارقي … وفقدت صبري وهو مما يفقد

لا تسألوا عن حالِ صبٍّ بعدكم … لا يومه يومٌ ولا غدهُ غدُ

لا دمعه يرقا ولا هذا الجوى … بفنى ولانار الجوانح تخمد

وأنا المريض بكم فهل من ممرض … غير الصبابة فلتعدني العوَّدُ

بنتم فما للمستهام على النوى … جلدٌ يقرّ بمثله المتجلد

هلاّ وقفتم يوم جدَّ رحيلكم … مقدارَ ما يتزود المُتَزَوِّد

أشكوكم ما بي وإن لم تسمعوا … وأريكُم وَجدي وإنْ لم تشهدوا

ولكم أقول لكم وقد أبعدتم … يا معبدون بحقكم لا تبعدوا

ساروا وما عطفوا عليَّ بلفتة ٍ … ولربّما انعطف القوم الأملد

أتبعتهم نظري فكان وراءهم … يقفو الأحبَّة أغوروا أو أنجدوا

يا أخت مقتنصِ الغزال لقد رمى … قلبي بناظره الغزال الأغيدُ

ومن القدود كما عليمت مثقف … ومن النواظر في الفؤاد مهند

لم أنسَ لا نسيت ليالينا التي … كان السرور بعودها يتجدد

والربع مبستم الأقاح تعجباً … منها وبانات النقا تتأوّد

لو أبصرتْ عيناك جامدَ كأسنا … لرأيت كيف يذاب فيها العسجد

في روضة ٍ سُقِيت أفاويق الحيا … فالبانُ يرقصُ والحمام يغرّد

تُملي من الأوراق في ألحانها … كقلائد العقيان فيه محاسن

يَحكي سَقيطُ الطلِّ في أرجائها … دُرَراً على أغصانها تَتَنَضَّد

يا دارنا سَحَبَتْ عليك ذيولها … وطفاءُ تُبرقُ ما سقتك وترعد

هل أنت راجعة كا شاء الهوى … والعيش أطيبُ ما يكون وأرغد

ذَهَبَتْ بأيام الشباب وأعْرَضَتْ … عنّي بجانبها الحسان الخرد

ويلُ أمّ نازلة ِ المشيب فإنَّها … كادَت يَشيبُ لها الغراب الأسود

ذهب الشباب فما يقول معنِّفٌ … في القلب منه حرارة لا تبرد

من بعدما طال المقام فأقصروا … عنّي الملام فصوّبوا أم صعّدوا

ذهب الزمان بحلوه وبمره … ومضى المؤَّمل فيه والمستنجد

فانظر بعينك هل يروقُك منظر … بعد الذين تفرقوا وتبددوا؟

إنَّ الجميلَ وأهله ومحلَّه … وأبو الجميل ابن الجميل محمد

حَدِّث ولا حرجٌ عليك فإنّما … خيرُ الكرام إلى أعلاه يسند

وأعِدْ حديثك وکشف في ترداده … قلباً يلذُّ إليه حين يردَّد

المسبغ النعماء ليس يشوبها … مَنُّ ولا فيما يؤمل موعد

هذا أبيُّ الضّيم وابنُ أباته … والبيض تركع والجماجم تسجد

يُهنِ القويّ بقوة من بأسه … وإلى الضعيف تحنن وتودد

تفري برأيك غير ما تفري الظبا … فالرأي منصلتٌ وسيفك مغمد

يعدُ الأماني من نداه بفوزها … ويريعُ منه الأخسدين تَوَعَّد

ممَّن إذا تُلِيَتْ عليه قصيدة ٌ … صدق القصيد وفاز فيه المقصد

كم قرَّبت لي فيه آمالي به … أملاً يشقُّ على سواه ويبعد

فرأيت من معرفة ما لابرى … وَوَجَدْت من معناه ما لا يوجد

وإذا أفادك جاهه أو ماله … فهناك عِزُّ يستفاد وسؤدد

شيدت معاليه وطال علاؤه … إنَّ المعالي كالبناء تشيّدُ

كم من يدٍ بيضاء أشكرها … نعمٌ تعدُّ ولم تزل تتعدد

ولكم وَرَدْتُ البحرَ من إحسانه … لا ماؤه ملحٌ ولا هو مزبد

فوردت أعذب فهلٍ من ماجد … لي مصدرٌ عن راحتيه ومورد

مستودع فيما يثيب مثابه … بخزائن الله التي لا تنفد

أمزيلَ نحس الوافدين بسعده … شقيتْ بك الحساد فيما تسعد

حتّى علمت ولم أكن بك جاهلاً … يا ثالثَ القمرين أنَّك مفرد

إنّي ربيبُ وأبيك وابن جميله … واللَّه يَعلم والخلائق تشهد

إنْ تولدوا من صلب أكرم والد … فكذلك الأخلاق قد تتولد

من محتد زاكي العناصر طيب … طابت عناصرهم وطاب المحتد

هم عوّدوا الناس الجميل وإنّهم … تجري عوائدهم على ما عوّدوا

إنّي لأعهد بعد فقد أبيهم … ما كنت منه قبل ذلك أعهد

قد كان عز المسلمين ومجدهم … وعياذهم وهو الأعزُّ الأمجد

ومخلّد الذكر الجميل إلى مدى ً … يبقى وما في العالمين مخلَّد

كقلائد العقبان فيه محاسن … جيد الزمان بعقدها يتقلد

جاد الغمام على ثراه فإنَّه … لأبرُّ من صوب الغمام وأجود