أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا – عماد الدين الأصبهاني
أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا … وتعتاض من ذكراكم وحشتي أنسا
وأسأل عنكم عافيات دوارس … غدت بلسان الحال ناطقة خرسا
معاهدكم ما بالها كعهودكم … وقد كررت من درس آثارها درسا
وقد كان في حدسي لكم كل طارق … وما جئتم من هجركم خالف الحدسا
أرى حدثان الدهر ينسى حديثه … وأما حديث الغدر منكم فلا ينسى
تزول الجبال الراسبات وثابت … رسيس غرام في فؤادي لكم أرسى
حسبت حبيبي قاسي القلب وحده … وقلب الذي يهوى بحمل الهوى أقسى
أما لكم يا مالكي الرق رقة … يطيب بها مملوككم منكم نفسا
وإن سروري كنت أسمع حسه … فمذ سرت عنكم ما سمعت له حسا
وإن نهاري صار ليلا لبعدكم … فما أبصرت عيني صباحا ولا شمسا
بكيت على مستودعات قلوبكم … كما قد بكت قدما على صخرها الخنسا
فلا تحبسوا عني الجميل فإنني … جعلت على حبي لكم مهجتي حبسا
رأيت صلاح الدين أفضل من غدا … وأشرف من أضحى وأكرم من أمسى
وقيل لنا في الأرض سبعة أبحر … ولسنا نرى إلا أنامله الخمسا
سجيته الحسنى وشيمته الرضا … وبطشته الكبرى وعزمته القعسا
فلا عدمت أيامنا منه مشرقا … ينير بما يولي ليالينا الدمسا
جنودك أملاك السماء وظنهم … عداتك جن الأرض في الفتك لا الإنسا
فلا يستحق القدس غيرك في الورى … فأنت الذي من دونهم فتح القدسا
ومن قبل فتح القدس كنت مقدسا … فلا عدمت أخلاقك الطهر والقدسا
وطهرته من رجسهم بدمائهم … فأذهبت بالرجس الذي ذهب الرجسا
نزعت لباس الكفر عن قدس أرضها … وألبستها الدين الذي كشف اللبسا
وعادت ببيت الله أحكام دينه … فلا بطركا أبقيت فيها ولا قسا
وقد شاع في الآفاق عنك بشارة … بأن أذان القدس قد أبطل النقسا
جرى بالذي تهوى القضاء وظاهرت … ملائكة الرحمن أجنادك الحمسا
وكم لبني أيوب عبد كعنتر … فإن ذكروا بالبأس لا يذكروا عبسا
وقد طاب ريانا على طبرية … فيا طيبها مغنى ويا حسنها مرسى
وعكا وما عكا فقد كان فتحها … لإجلائهم عن مدن ساحلهم كنسا
وصيدا وبيروت وتبنين كلها … بسيفك ألفى أنفه الرغم والتعسا
ويافا وأرسوف وتبنى وغزة … تخذت بها بين الطلى والظبى عرسا
وفي عسقلان الكفر ذل بملككم … فمنظره بل أمره اربد وارجسا
وصار بصور عصبة يرقبونكم … فلا تبطئوا عنها وحسوهم حسا
توكل على الله الذي لك أصبحت … كلاءته درعا وعصمته ترسا
ودمر على الباقين واجتث أصلهم … فإنك قد صيرت دينارهم فلسا
ولا تنس شرك الشرق غربك مرويا … بماء الطلى من صاديات الظبى الخمسا
وإن بلاد الشرق مظلمة فخذ … خراسان والنهرين والترك والفرسا
وبعد الفرنج الكرك فاقصد بلادهم … بعزمك واملأ من دمائهم الرمسا
أقامت بغاب الساحلين جنودكم … وقد طردت عنه ذئابهم الطلسا
سحبت على الأردن ردنا من القنا … ردينية ملدا وخطية ملسا
حططت على حطين قدر ملوكهم … ولم تبق من أجناس كفرهم جنسا
ونعم مجال الخيل حطين لم تكن … معاركها للجرد ضرسا ولا دهسا
غداة أسود الحرب معتقلوا القنا … أساود تبغي من نحور العدا نهسا
أتوا شكس الأخلاق خشنا فلينت … حدود الرقاق الخشن أخلاقها الشكسا
طردتهم في الملتقى وعكستهم … مجيدا بحكم العزم طردك والعكسا
فكيف مكست المشركين رؤوسهم … ودأبك في الإحسان أن تطلق المكسا
كسرتهم إذ صح عزمك فيهم … ونكستهم إذ صار سهمهم نكسا
بواقعة رجت بها الأرض جيشهم … دمارا كما بست جبالهم بسا
بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم … ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا
وطارت على نار المواضي فراشهم … صلاء فزادت من خمودهم قبسا
وقد خشعت أصوات أبطالها فما … يعي السمع إلا من صليل الظبى همسا
تقاد بدأ ماء الدماء ملوكهم … أسارى كسفن اليم نطت بها القلسا
سبايا بلاد الله مملوءة بها … وقد شريت بخسا وقد عرضت نخسا
يطاف بها الأسواق لا راغب لها … لكثرتها كم كثرة توجب الوكسا
شكا يبسا رأس البرنس الذي به … تندى حسام حاسم ذلك اليبسا
حسا دمه ماضي الغرار لقدره … وما كان لولا غدره دمه يحسى
فلله ما أهدى فتكت به … وأطهر سيفا معدما رجسه النجسا
نسفت به رأس البرنس بضربة … فاشبه رأسي رأسه العهن والبرسا
تبوغ في أوداجه دم بغيه … فصال عليه السيف يلحسه لحسا
وليس لقلبي في السرور تصرف … فقلبي على الأحزان وقف محبس
لفتك محبيه تيقظ طرفه … وتحسبه من سقم عينيه ينعس
له ناظر عند الخلاف مناظر … يقول دليل الدل عندي أقيس
إذا درست ألحاظه السحر أصبحت … رسوم اصطباري درسا حين تدرس
ولم أنس أنسي بالحمى رعى الحمى … عشية لي مجنى ومجلى ومجلس
لحى الله أبناء الزمان فكلهم … صحيفته أودى بها المتلمس
ولولا ابتسامات المظفر بالندى … لما راق نفسي صبحه المتنفس
جلت شمس لقياه الحنادس بعدما … عرتنا وهل يبقى مع الشمس حندس
وصار به هذا الزمان جميعه … نهارا فما للناس ليل معسعس
إذا صال فالمغلول ألف مدرع … وإن جاد فالمبذول ألف مكيس
وليس بمغبون على فضل رأيه … ويغبن في الأموال منه ويبخس
إذا أطلق الملك المظفر في الوغى … أعنته فالشمس بالنقع تحبس
فداك ملوك لا يلبون داعيا … وكلهم عن دعوة الحق يخنس
تشكى إليك الغرب جور ملوكه … فأشكيته والجور بالعدل يعكس
سيهدي إلى المهدية النصر والهدى … بهديكم فيها وتونس تؤنس
رددت كراديس الفرنج وكلهم … لدى الأسر في غل الصغار مكردس
وبيضت وجه الدين يوم لقيتهم … وأبيضكم من أسود القصر أشوس
أفاد دم الأنجاس طهر سيوفكم … وما يستفاد الطهر لولا التنجس
شموس ظبى تغدو لها الهام سجدا … فلله نصرانية تتمجس
وكم كفي الإسلام سوءا بملككم … كفيتم على رغم المعادين كل سو
ولا يفتح البيت المقدس غيركم … وبيتكم من كل عاب مقدس
لهم كل يوم في جهاد مثلث … إذا نصروا التوحيد فيء مخمس
إذا ما تقي الدين صال تساقطت … لأقدامه من عصبة الشرك أرؤس
وما عمر إلا شبيه سميه … شديد على الأعداء ثبت عمرس