أطاعَ الهَوى من بَعدهم، وعَصى الصَّبرُ – أسامة بن منقذ

أطاعَ الهَوى من بَعدهم، وعَصى الصَّبرُ … فليسَ له نهيٌ عليه ولا أمرُ

وعاودَهُ الوجدُ القديمُ، فَشفَّه … جوى ضاق عن كتمانه الصدر والصبر

كأنَّ النَّوى لَم تخْتَرِم غيرَ شَملِه … ولم يَجْرِ إلاَّ بالَّذي ساءَه القَدْرُ

وهل لبني الدنيا سرور وإنما … هو العيشُ والبُوسَى ، أو الموتُ والقبرُ

وكل اجتماع مرصد لتفرق … وكلُّ وصالٍ سوف يعقُبه هجرُ

وما يدفع الخطْبَ المُلِمَّ إذا عرى … سوى الصّبرِ، إلاَّ أنّه كاسمِه صبرُ

أسكّانَ أكنافِ العواصِم دعوة ً … بفي روداً وهي في كبدي جمر

لقد أظلمت دُنياي بعد فِراقكْم … فكل زماني ليلة ما لها فجر

أُعاتِبُ أيَّامي عليكُمُ، ومَا لهَا … ولا لليالي في الذي بيننا عذر

لقد صدعت بعد التفرق شملنا … كصَدْعِ الصَّفا، ما إنَّ له أبداً جبْرُ

وما زالَ صرفُ الدّهر يسعى ببَيْنِنا … فلمَّا انقضَى ما بيننا سكَنَ الدّهرُ

فويحَ زمانٍ فَرَّقتنا صرُوفُه … أكانَ عليه في تَفرُّقِنا نَذْرُ

إذا عن ذكراكم نبا بي مضجعي … كأن فراشي حال من دونه الجمر

فأذهل حتى لا أجيب منادياً … وأُبهتُ، لا عرفٌ لديّ، ولا نُكْرُ

وأرمي فجاج الأرض نحو بلادكم … بطرف كليل دمعه بعدكم قطر

أراقَ جِمامَ الدمعِ فيكُم فإن دَعا … به الوجد لبى وهو مستكره نزر

وجانب طيب النوم بعد فراقكم … فما تلتفي منه على سنة شفر

عسَى نظرة ٌ منكُم يُميطُ بهَا القَذَى … وهيهات عرض الأرض من دونكم ستر

وإن وَعَدتْني باقترابِكُمُ المُنَى … نَهْتَنى ِ عَنْ تَصديقِ موعِدها مصرُ

وكيف بكم والدهر غير مساعد … ودونَكُمُ الأعداءُ واللُّجَجُ الخُضرُ

مهالك لو سارت بها الريح عاقها الوجى … ـوَجَى ، وثَناها عن تَقَحُّمها الذُّعرُ

ولم يبق إلا ذكرُ ما كانَ بينَنَا … ولا عجبٌ للدّهرِ أن يُدْرسَ الذّكْرُ

وروعة شوق تعتريني إليكم … كما انتَفَض العصفورُ، بلَّلَه القَطرُ

فيارَوعتي، لا تَسكُني بعد بُعدهمْ … ويا سلوة الأيام موعدك الحشر