أشدْ بأيامنا لتَشهرَها – ابن الرومي

أشدْ بأيامنا لتَشهرَها … وقلْ بها معلناً لتُظهرَها

وابغ ازدياداً بنشْر أنعُمها … لا تخف إحسانها فتكفُرها

مِنْ حَلَبِ الصُّنعِ أن تبادر بالنْ … نِعمة مُوليكها فتشكرها

إنّا غدونا على خلال فتى ً … كرَّمها رَبُّنا وطهَّرها

باكَرنا بالصَّبوح مُدَّلجاً … لنشوة ٍ شاءها فبكَّرها

عاج بنا مائلاً إلى حِلَلٍ … قصورِ مُلكٍ له تخيرها

من إرثه عن أبي مُحمَّده … يا لك مأوى العلا ومفخرَها

أحكمَ إتقانها بحكمته … وشاد بنيانها وقدرها

وسْط رياض دنا الربيع لها … فحاك أبرادها ونشَّرها

وجادها من سحابه دِيَمٌ … ورَّد أنوارها وعَصْفَرها

وساق ما حولها جداولُها … فشق أنهارها وفجّرها

فارتوتِ الماء من جوانبها … فزانها ربُّنا ونضّرها

فهْي لفرط اهتزاز رونقها … تُخيلُ نطقاً لمن تبصّرها

كأنها في ابتهاج زهرتها … وجهُ فتى للسرور يَسَّرها

إذا بدا وجهُهُ لزهرتها … حار لها تارة ً وحيرها

واختار من أحسن السقوف لها … أفضلها قيمة ً وعَرْعرها

مُشْعَرة ً بالشموس من ذهب … بين عيون تنير مُشْعرَها

كأنها في احمرارها شُمُسٌ … يعشَى لها من دنا فأبصرها

أمامها بركة مرخَّمة ُ … ترضى إذا ما رأيت مرمرها

أعارها البحر من جداوله … لُجًّا غزير المياه أخضرَها

كأنما الناظر المُطيفُ بها … فوق سماءٍ حنَى لينظرها

رِباعُ مُلك يريك منظرُها … أنبلَ ذي بهجة وأكبرها

لو قابلتْها نُبُلاً خلائقنا … لم نكُ في حسنها لنَعشِرها

ثم أتى مُبدعاً بمائدة ٍ … عظَّمها جاهداً وكبرها

محفوفة ً شهوة َ النفوسِ على … أحسنِ نَضْدٍ تروق مُبْصرها

تخالها في الرُّواء من سعة ٍ … كدارة ِ البدر حين دوَّرها

ثم انثنينا إلى الشراب وقد … جاء بآلاته فأَحضرها

من تُحَفٍ ما تُغِبُّ فائدة ً … لم تكُ في وهمنا ولم نرها

وَقينة ٍ إن مُنِحْتَ رؤيتَها … رَضِيتَ مسموعَها ومنظرها

إذا بدَتْ لِلعيون طلعَتُها … أبدتْ لها سرَّها ومُضْمَرها

شمسٌ من الحسن في مُعَصفرة ٍ … ضاهتْ بلونٍ لها مُعصفرها

في وجناتٍ تحْمَرُّ من خجلٍ … كأن ورد الربيع حمَّرها

يسعَى إليها بكأسه رشأٌ … أنَّثَهُ الله حينَ ذكَّرها

تُشْبه أعلاهُ لا تُغادِرهُ … وينْثني مشْيها مؤزَّرَها

يقول من رآهُ وعاينَها … سبحان من صاغه وصورها

في كفّه كالشِّهاب لاح على … ظلماء ليلٍ دجتْ فنوَّرها

كأن زُرْقَ الدَّبا جوانبها … تاحَ لها تائحٌ فنفَّرها

إن برزتْ للهواء غيَّرها … أو قُرِعَتْ بالمزاج كدَّرها

فليسَ لِلشَّارب الحصيف سوى … أن تتراءى له فَيَبْدُرها

ثم أتت سرّعاً مجامرُهُ … تمنحها نَدَّها وعنبرها

يا لذة ً للعيون قد عَلِمتْ … بأنها جُمِّعت لتبهرها

أو شهوة ً للنفوس ما برحت … تُبدي لنا حسنها لنشهرها

يا حسرتي كيف غاب وهب ولم … يكن لنا حاضراً فيحضُرها

إذا أتى سالماً كمُنيتنا … أعادها محسناً وكررها

أحسنُ من كل ما بَدأتْ … به أخلاقُهُ إذْ بدا وأظهرَها

من كرمٍ يستبي مُعاشِرَهُ … وعشرة ٍ لا نذُمُّ مَخبرها

وخدمة ٍ للصديق دائمة ً … تَجشَّمها النفسُ كي يوقرها

تواضعٌ لا تشوبُهُ ضَعة ٌ … وشيمة ٌ لا يرى تفترها

أيا خلال كَمُلْنَ فيه لقد … حسَّنها الله ثم كثَّرها

ويا أبا القاسم اغتنِمْ مِدَحي … تغنمْ من المكرُمات أفخرَها

واعلم بأني امرُؤٌ إذا سنحتْ … للفظه المأثُراتُ حبَّرها

ثم حدا نطقَها بفطنته … فساقها مُوشكاً وسيَّرها

ها إنها مِدحة ٌ مبالغة ٌ … إن امرُؤٌ منصِفٌ تدبَّرها