أرى شجراً في السماء احتجبْ – أحمد شوقي

أرى شجراً في السماء احتجبْ … وشقّ العَنانَ بمَرْأَى عَجبْ

مآذنُ قامت هنا أو هناكَ … ظواهرها درجٌ من شذب

وليس يؤذِّنُ فيها الرجالُ … ولكن تصبح عليها الغرب

وباسقة ٍ من بناتِ الرمالِ … نَمتْ ورَبتْ في ظلالِ الكُثُب

كسارية ِ الفُلْكِ، أَو كالمِسـ … ـلَّة ِ، أَو كالفَنارِ وراءَ العَبَب

تطولُ وتقصرُ خلفَ الكثيبِ … إذا الريحُ جاءَ به أَو ذهب

تُخالُ إذا اتَّقدَتْ في الضُّحَى … وجرَّ الأصيلُ عليها اللهب

وطافَ عليها شعاع النهارِ … من الصحوِ، أو منْ حواشي السحب

وصيفة َ فرعونَ في ساحة ٍ … من القصر واقفة ً ترتقب

قد اعتصبتْ بفصوص العقيقِ … مُفصَّلة ً بِشُذورِ الذهب

وناطتْ قلائدَ مَرْجانِها … على الصدر، واتَّشَحَتْ بالقَصَب

وشَدَّتْ على ساقِها مِئْزَراً … تعقَّدَ من رأسها للذنب

أهذا هو النخلُ ملكُ الرياضِ … أَميرُ الحقولِ، عروسُ العزب؟

طعامُ الفقيرِ، وحَلوَى الغَنيِّ … وزادُ المسافِر والمُغْتَرِب؟

فيا نخلة َ الرملِ، لم تبخلي … ولا قصَّرتْ نخلاتُ الترب

وأعجبُ: كيف طوى ذكركنَّ … ولم يحتفلْ شعراءُ العرب؟

أليس حراماً خلوُّ القصا … ئدِ من وصفكنّ، وعطلُ الكتب؟

وأنتنّ في الهاجراتِ الظِّلالُ … كأَنّ أَعالِيَكُنَّ العَبَب

وأنتنّ في البيد شاة ُ المعيلِ … جناها بجانبِ أخرى حلبَ

وأنتنّ في عرصاتِ القصورِ … حسانُ الدُّمى الزائناتُ الرّحب

جناكنّ كالكرمِ شتى المذاقِ … وكالشَّهدِ في كل لون يُحَبّ