أرى الصبر محموداً وعنه مذاهبُ – ابن الرومي

أرى الصبر محموداً وعنه مذاهبُ … فكيف إذا ما لم يكن عنهُ مذهبُ

هناك يَحِقُ الصبرُ والصبرُ واجب … وما كان منه كالضرورة أوجبُ

فشدَّ امرؤٌ بالصبر كفاً فإنهُ … له عِصمة ٌ أسبابُها لا تُقضَّبُ

هو المَهْربُ المُنجِي لمن أحدَقتْ بهِ … مكارِهُ دهرٍ ليس منهن مَهْربُ

أَعُدُّ خِلالاً فيه ليس لعاقل … من الناس إِن أُنصفنَ عنهن مرغبُ

لَبُوسُ جَمَالٍ جُنَّة ٌ من شماتة ٍ … شِفاءُ أسى ً يُثنَى به ويثُوَّبُ

فيا عجباً للشيء هذي خلالُهُ … وتاركُ ما فيه من الحظّ أعجبُ

وقد يَتظنَّى الناسُ أنّ أَساهُمُ … وصبرَهُمُ فيهم طِباعٌ مركَّبُ

وأنهما ليسا كشيءٍ مُصَرَّفٍ … يُصرِّفُهُ ذو نكبة ٍ حين يُنكب

فإن شاء أن يأسَى أطاع له الأسى … وإن شاء صبراً جاءهُ الصبرُ يُجلَبُ

ولكن ضروريان كالشيء يُبتلى … به المرءُ مَغْلوباً وكالشيء يذهبُ

وليسا كما ظنوهما بل كلاهما … لكل لبيبٍ مستطاعٌ مُسبَّبُ

يُصرِّفه المختارُ منا فتارة ً … يُرادُ فيأتي أو يُذادُ فيذْهبُ

إذا احتج محتجٌّ على النفس لم تكد … على قَدَرٍ يُمنَى لها تتعتبُ

وساعَدَهَا الصبرُ الجميلُ فأقبلتْ … إليها له طوعاً جَنائبُ نُجنَبُ

وإنْ هو منَّاها الأباطيلَ لم تزل … تُقاتل بالعَتْبِ القضاءَ وتُغلَبُ

فَتُضحي جزوعاً إن أصابتْ مصيبة … وتُمسي هلوعاً إن تَعذَّرَ مَطلبُ

فلا يَعذِرَنَّ التاركُ الصبرَ نفسَهُ … بأن قيلَ إنَّ الصبرَ لا يُتكسَّبُ