أرن سهم الردى إرنان منتحب – جبران خليل جبران

أرن سهم الردى إرنان منتحب … وسال بالدمع وجه السيف ذي الشطب

أبا الحديد أسى من أن يفارقه … في كل حلبة فخر خير مصطحب

ماذا شجا ظبي عسفان بمرتعه … وراع ليث الشرى في غيله الأشب

دهى العروبة خطب فت ساعدها … من حيث لا يتقى بالبيض واليلب

مضى الحسين مفديها ومنقذها … فأي قلب لهذا البين لم يذب

أأغضيت عن حماها عين كالئها … ولم تنم عن حماها أعين النوب

كلا وذكراه ما دامت مؤججة … نار الحمية في صيابها النخب

وما أهابت بجند الله فاصطدمت … كتائب الغير الدهماء بالشهب

إن يحتجب لك وجه يا حسين فقد … تركت للرأي وجها غير محتجب

إليه مرجعها في كل معضلة … فلست عن أمرها المشهود في الغيب

أجدر بها أن تظل الدهر واعية … ذكرى أعز مليك أو أبر أب

حررتها وأذقت البأس موردها … ببأسه المتمادي مورد العطب

يفيض بالصاب قرطاس أخط به … من المظالم ما سيمت مدى حقب

فمن يكن ناسيا أو جاهلا ليسل … عنهم أولي الذكر أو يرجع إلى الكتب

أيام أصبح ستر الضاد منهتكا … مهلهلا وحماها مرتع الجنب

وشملها في بواد باد آهلها … وفي الحواضر شملا جد منشعب

تقذي عيون الأولى يغشون أربعها … بكل عاري الشوى في مسكن خرب

تأذنت بانقراض بعد منعتها … ونفرت عن حياض العلم والأدب

لا تسطع الشمس إلا خلف غاشية … من الأسى بمحيا كاسف شحب

ولا يسيل أصيل في سحائبه … إلا بدمع صبيب أو دم سرب

يا منقذا جاء بعد الألف من حجج … يعيد ما فات من مجد ومن حسب

هل ضم غير الرسول المصطفى قدما … تلك العزائم والآمال من شعب

أمر يضيق به الذرع انتدبت له … وأنت إن ضاق ذرع خير منتدب

صرفت رأيك فيه فاضطلعت به … مؤيد الرأي بالأرماح والقضب

في كل مرعدة بأسا ومبرقة … من الجحافل بين الوري واللجب

عادت بها كل آبي الضيم نخوته … من حيث أبطل سحر الخوف والرعب

فكان بعث قلوب الأمة ارتقصت … له وأعطافها اهتزت من الطرب

وبشرت آية للحق ظاهرة … بوحدة لخصوم الحق لم تطب

بدت على غير ما راموا بوادرها … وخالف الجد ما خالوه للعب

فأجمعوا أمرهم في السلم واعتزموا … نقضا لما أبرموا في ساحة الرهب

وأضمروا لك عدوانا وجدت به … في الأمن ما لم تجد في الحرب من حرب

أين الذي سجلوه في رسائلهم … ورددوه من الأيمان في الخطب

لولا معونة ذاك الحلف لانقلبوا … دون الذي أملوه شر منقلب

نصرتهم صادقا فيما وعدت ولم … تخل مواعيدهم ضربا من الكذب

ما كان همك ملكا تستقل به … والجد في صعد والمجد في صبب

بل نصرة العرب في حق أقر لهم … تؤيد الشرع فيه حجة الغلب

فما ألوت لذاك الحق عن طلب … وكيف يدرك مطلوب بلا طلب

قاسوا الحسين إلى غير الحسين فلم … تصدق فراستهم فيه ولم تصب

شتان فيمن تولى أمر أمته … ما بين معتقب أو غير معتقب

ظنوه بالتاج يرضى غير مكترث … لما عداه فألقى التاج وهو أبي

سجية العربي الهاشمي لها … معنى وراء معاني الجاه والرتب

أين الكنوز التي خالوه يحملها … وأين ما أثقل الأسفاط من ذهب

تبينوا اليوم ما كانت خبيئته … من عفة ووفاء لا من النشب

تلك الفضائل ما كانت لمكتسب … كابي الضمير وما كانت لمغتصب

للخصم في ثلبها عذر الحنيق على … من حال بين يد السلاب والسلب

ما عذر طائفة من قومه أخذت … بما أثار العدى من ذلك الشغب

زايلت بيتا عتيقا أنت سادنه … بالإرث من عهد إبراهيم والنسب

إلى صفاة على الدأماء قد رسخت … ولم تسغها لهاة البحر ذي العبب

تشبهت روضها بالروض وائتنست … منها القرى بدعات الأخضر الصخب

حللت فيها وما بالزاد من سعة … وعشت بين رباها عيش مغترب

فكنت في النفي والأردان طاهرة … ما لم تكن في ثياب العزة القشب

صبرت صبر كريم غير مبتئس … ولا ملول ولا شاك على وصب

حتى حملت وقد حم القضاء إلى … دار من المسجد الأقصى على كثب

كأن ربك أوحى أن تجاوره … حتى تقر به في مزدجى القرب

يرعى مزارك بالروح الأمين ولا … تنأى به السبل عن أعقابك النجب

ويجمع البر حفاظ المآثر من … شتى العشائر حول الوالد الحدب

من كان يدري وقد ناط الرجاء به … صيانة الحرم الثاني فلم يخب

إن المآب إليه والثواب به … هل قدم الخير مخلوق ولم يثب

أبناء يعرب هذي سيرة برزت … لكم حقائقها الكبرى من الحجب

كتاب تفدية أوعت صحائفه … أدعى الفصول إلى الإعجاب والعجب

إن الأولى استشهدا في الله أو قتلوا … فيما غلوا فيه للأوطان من أرب

لهم حياة وما إن تشعرون بها … إلا وقد ناجوا الأرواح في الكرب

كرامة ابن علي أن تكون لكم … آثاره عظة موصولة السبب

تعلموا الصدق منه والوفاء على … ما يعقبان من الحرمان والنصب

تعلموا نضحه عن ذخر أمته … بحزم مقتصد لله مرتقب

تعلموا الذود عن حق تطيب له … عن كل ما هو غال نفس محتسب

تعلموا قوة الإيمان في دأب … فإنما قوة الإيمان بالدأب

تعلموا الصبر أو تقضى لبانتكم … والعزم في بدئها كالعزم في العقب

تعلموا أن هذا العمر مرحلة … لا ترتقى هضبة فيها بلا تعب

تعلموا أن من حذق الرماة بها … ليدركوا النصر أن يجثوا على الركب

سجا الحسين وقد ورى مساجله … حتى يثين أوان الصائد الدرب

فإن ضحا ظله فالروح مرصدة … للموقف الفصل من يهتف بها تجب

عزاءكم يا بنيه الصيد من ملك … مسدد الرأي إن يمنع وإن يهب

ومن أبي تولى عن أريكته … بلا شجى إذ تولاها بلا رغب

له من الشيم الغراء مملكة … إن كان ذا لقب أو غير ذي لقب

ومن أمير بناها دولة أنفا … قامت على أثر من مجدها ترب

في العلم والأدب العالي يكاد إذا … ساق الأحاديث يسقيك ابنة العنب

ومن فتى ألمعي كل محمدة … جارى السوابق فيها فاز بالقصب

ماض بفطرته في نهج عترته … عف اللسان نقي النفس من ريب

من عدكم عد يوم الفخر أربعة … ملء الزمان من الأقمار والسحب

لنعرفن لكم في إثر منجبكم … خطى كبارا مداها غير مقتضب

دعوا الأسى واسمعوا صوتا يهيب بكم … مات الحسين فعاشت أمة العرب