أراكَ مُستعجلاً يا حاديَ الإبلِ – الباخرزي

أراكَ مُستعجـلاً يا حاديَ الإبـلِ … فاصبرو إن خُلِقَ الانسانُ من عَجَلِ

واقرَ السلامَ على غمرٍ تحلُّ بهِ … من ماءِ عَيني ولا تقرأ على الوشَلِ

وإن نظرتَ إلى العيسِ التي قَلقـتْ … للظاعنينَ فلا تسكن إلى عذل

أجني وأحتالُ في تزويرِ معذرة ٍ … والعجزُ للمرءِ ليسَ العجزُ للحِيَلِ

وقفتُ والشوقُ يبليني على طللٍ … كأنّني طَللٌ بـالٍ على جملِ

سرّحتُ في جوِّها الأنفاسَ فالتقطت … نسيمَ ريّـا وأهدتْـهُ إلى عِلَـلي

أرض مكرمة لم يؤذِ تربتها … إلاّ تَسَحّبُ أذيـالٍ منَ الحلـلِ

شتى اللغاتِ فقل في هاتف غردٍ … أو صاهلٍ جَرِسٍ أو باغمٍ غـزِلِ

ما زالَ مِنها قلوبُ النـاسِ عاثرة ً … من لطخِ غالية ِ الأصداغِ في وَحَلِ

شيدت عليها قبابُ الحي فاتقدت … أن البقاعَ لها قسطٌ منَ الدولِ

إذا الغبارُ مـنَ الفُرسانِ سارَ بِهـا … قالوا: أتشكرُ نعماهُ ؟ فقلتُ: أجلْ

دار التي حليت بالحسنِ عاطلة … فوسْوسَ الحليُّ من غيظٍ عـلى العطلِ

بيضاء مُرهفة سُلّـتْ على كبدي … وأغمدت من سجوفِ الخزِّ في كلل

كالظبي لولا اعتلالٌ في نواظرها … والظبيُ لا يشتكي من عارضِ العِللِ

وقد يقالُ لمصْحاحِ الرِّجالِ به … داءُ الظباء ، كذا يروونَ في المثلِ

شفاهُها كيفَ لا تَخلو وقد خَزنت … ذخيرة َ النحـلِ في أُنقوعة ِ العَسلِ

ينالُ مَن يَشتهي مـاءَ الحياة بهـا … ما كان مِن قَبلُ ذو القَرنينِ لم يَنَلِ

كم طافَ بي طيفها والأفقُ مستترٌ … بذيلِ سجفٍ منَ الظلماءِ منسدلِ

أنى تيسرَ مسراها وقد رسفت … من الذوائب طولَ الليلِ في شكلِ

وكيف خفت إلى المشتاق نهضتها … والثقلُ يقعدها من جانب الكفلِ

تأوي إلى حفرة ِ الكدري آونة … وتارة ً تَرتقي في سُلّم الحِيَلِ

لمّا أحسّتْ بأسفارِ النّوى ونأتْ … عني بحرِّ حشاً يخيفهِ بردُ حلي

يا حبّذا هو من ضيفٍ وهبتُ له … سمعي وعيني إبدالاً من النزلِ

وأزعجتها دواعي البينِ وانكمشت … تَسري وفي مُقلتيها فَتْرة ُ الكسَلِ

فرشت خدَّي لِمَمْشاها وقلتُ لها: … أخشى عليك الطريقَ الوعرَ فانتعَلي

سَقياً لها ولركب رُزَّحٍ نَفَضوا … باقيها نطوعَ الأينقِ الذللِ

جابُوا الفلاة َ وأغرتْهم بها هِمَمٌ … خلقنَ كلا على السفارِ والرحلِ

فجاوزوا كنسَ آرامٍ يحصنها … ضراغمُ الروعِ في غابِ القنا الذبلِ

من بعدِ ما كبوا ملكَ المطية ِ في … بحرِ السرابِ وحثوها بلا مهلِ

أعجب بفلكٍ لها روحٌ يغرقها … مخاضة الآلِ في مـاءٍ بلا بَلَـلِ

والجَدُّ نُهزة ُ ذي جدٍّ يطيرُ إلى الْـ … أَكوارِ عندَ وقوعِ الحادثِ الجَلَلِ

يَغشى الفَلا والفَيافي والمطيُّ لهـا … ضربانِ من هَزَجٍ فيهـا ومن رَمَلِ

حتى تُقَرِّبَ أطنـابَ الخيـامِ إلى … منجى اللهيفِ وملجا الخائفِ الوجلِ

فتى محمد الراوي المكارمَ من … عيسى أبي الحسنِ الشيخِ العميدِ علي

فمن زمامٍ إلى مغناهُ منعطفٍ … ومن عنانٍ إلى مأواهُ منفتلِ

آثارهُ نسخت أخبارَ من سلفوا … نسخَ الشّريعة ِ للأديـانِ والمِلَلِ

يولي الجميلَ وصرفُ الدهر يقبضُ من … يديهِ والفحلُ يحمي وهو في العقلِ

تصرفت سائلوهُ في مواهبهٍ … تصرفَ النفرِالغازينَ في النفلِ

أردتُ أُحصي ثنايـاهُ فغالطَـني … وقال : أحصِ ثناء الرائحِ الزجلِ

كذا ابنُ عمرانَ نادى ربهُ : أرني … أنظر إليك ، فقالَ : انظر إلى الجبلِ

إن خط خاطَ على قرطاسه حللاً … يُهدي بهِ الوشيَ للأحيـاءِ والحِللِ

وإن ترسلَ أدى سحرهُ خدعاً … يصفي إليهنَّ سمعُ الأعصمِ الوعلِ

وإن تكلَّم زلَّ الدرُّ عن فمِهِ … في حجره وهو معصومٌ عن الزللِ

وإن تقلّدَ من ذي إمـرة ٍ عمـلاً … وجدتَهُ علمـاً في ذلـك العمَلِ

وإن تفحّصَ أحوالَ النّجومِ درى … ما حم من أجلٍ في الغيبِ أو أملِ

كأنّهُ شعـرة ٌ في لقمـة ِ الخَجِلِ … لو مُد لي طوَلٌ مُرخى ً منَ الأجَلِ

وما نسيتُ ولا أنسى اعتصامي من … جواره بُعراً الأسبابِ والوُصَـلِ

إذا التقيتُ بهِ في موقفٍ شرقت … منه الشعابُ بسيلِ الخيلِ والخولِ

ولم أكن عالماً قبلَ الحلولِ بهِ … أنيَّ أرى رجلاً في بُردَتَيْ رَجُلِ

يا ضائراً نافعاً إن ثـارَ هائِجُـهُ … أسالَ مهجة َ أقوامٍ على الأسَلِ

يُذيقُهم تـارة ً من خُلقهِ عَسَلاً … حلواً وطوراً يديفُ السمَّ في العَسَلِ

خذْها أبـا حَسَنٍ غـراءَ فائقـة ً … وَلَتْ وجوهَ الملوكِ الصيِّدِ من قبلي

أكثرتُ فيهـا ولم أهجرْ بلاغتَـهُ … وليسَ كثرة ُ تكثـيري من الفَشَلِ

إذا تمنت سواها أن تضاهيها … خابَت وما النّجَلُ الموْموقُ كالحوَلِ

أفادَها خاطري بـينَ الورى خطراً … وصاغها خلدي من غيرِ ما خللِ

وينشقُ الورد منها كلُّ منغمس ٍ … في اللهوِ نَشوانَ في ظلِّ الصبا جذلِ