أجيران جيرون مالي مجير – عماد الدين الأصبهاني

أجيران جيرون مالي مجير … سوى عطفكم فاعدلوا أو فجوروا

ومالي سوى طيفكم زائر … فلا تمنعوه إذا لم تزوروا

يعز علي بأن الفؤاد … لديكم أسير وعنكم أسير

وما كنت أعلم أني أعيش … بعد التفرق إني صبور

وفت أدمعي غير أن الكرى … وقلبي وصبري كل غدور

إلى ناس باناس لي صبوة … لها الوجد داع وذكرى مثير

يزيد اشتياقي وينموا كما … يزيد يزيد وثوارا يثور

ومن بردى برد قلبي المشوق … فها أنا من حره مستجير

وبالمرج مرجو عيشي الذي … على ذكره العذب عيشي مرير

نأى بي عنكم عدو لدود … ودهر خؤون وحظ عثور

فقدتكم ففقدت الحياة … ويوم اللقاء يكون النشور

أيا راكب النضو ينضي الركاب … تسير وخطب سراه يسير

يؤم دمشق ومن دونها … تجاب سهول الفلا والوعور

وجلق مقصده المستجار … لقد سعد القاصد المستجير

إذا ما بلغت فبلغهم … سلاما تأرج منه العبير

تطاول بسؤلي عند القصير … فمن نيله اليوم باعي قصير

وكن لي بريدا بباب البريد … فأنت بأخبار شوقي خبير

أعنون كتبي بشكوى العناء … وفيهن من بث شجوى سطور

متى تجد الري بالقريتين … خوامس أثر فيها الهجير

ونحو الجليجل أزجي المطي … لقد جل هذا المرام الخطير

تراني أنيخ بأدنى ضمير … مطايا براها الوجا والضمور

وعند القطيفة المشتهاة … قطوف بها للأماني سفور

ومنها بكوري نحو القصير … ومنية عمري ذاك البكور

ويا طيب بشراي من جلق … إذا جاءني بالنجاح البشير

ويستبشر الأصدقاء الكرام … هنالك بي وتوفى النذور

ترى بالسلامة يوما يكون … بباب السلامة مني عبور

وأن جوازي بباب الصغير … لعمري من العمر حظ كبير

وما جنة الخلد إلا دمشق … وفي القلب شوقا إليها سعير

ميادينها الخضر فيح الرحاب … وسلسالها العذب صاف نمير

وجامعها الرحب والقبة المنيفة … والفلك المستدير

وفي قبة النسر لي سادة … بهم للكارم أفق منير

وباب الفراديس فردوسها … وسكانها أحسن الخلق حور

والأرزة فالسهم فالنيربان … فجنات مزتها فالكفور

كأن الجواسق مأهولة … بروج تطلع منه البدور

بنيربها تتبرا الهموم … بربوتها يتربى السرور

وما غر في الربو العاشقين … بالحسن إلا الربيب الغرير

وعند المغارة يوم الخميس … أغار على القلب مني مغير

وعند المنيبع عين الحياة … مدى الدهر نابعة ما تغور

بجسر ابن شواش تم السكون … لنفسي بنفسي تلك الجسور

وما أنس لا أنس أنس العبور … على جسر جسرين إني جسور

وكم بت ألهو بقرب الحبيب … في بيت لهيا ونام الغيور

فأين اغتباطي بالغوطتين … وتلك الليالي وتلك القصور

لمقرئ مقرى كقمريها … غناء فصيح وشدو جهير

وأشجار سطرى بدت كالسطور … نمقهن البليغ البصير

وأين تأملت فلك يدور … وعين تقور وبحر يمور

وأين نظرت نسيم يرق … وزهر يروق وروض نضير

كأن كمائم نوارها … شنوف تركب فيها شذور

ومثل اللآلي سقيط الندى … على كل منثور نور نثير

مدار الحياة حياها المدر … مطار الثراء ثراها المطير

وموعدها رعدها المستطيل … وواعدها برقها المستطير

إلام القساوة يا قاسيون … وبين السنا يتجلى سنير

لديك حبيبي ومنك الحبا … وعندك حبي وفيك الحبور

فيا حسرتا غبت عن بلدة … بها حظيت بالحظوظ الحضور

ومنذ ثوى نور دين الإله … لم يبق للشام والدين نور

وإني لأرجو من الله أن … يقدر بعد الأمور الأمور

وللناس بالملك الناصر الصلاح … صلاح ونصر وخير

لأجل تلافيه لم يتلفوا … لأجل حيا بره لم يبوروا

بفيض أياديه غيث النجاح … لأهل الرجاء سموح درور

مليك بجدواه يقوى الضعيف … ويثرى المقل ويغنى الفقير

أرى الصدق في ملكه المستقيم … وملك سواه ازورار وزور

لعز الولي وذل العدو … نوال مبر وبأس مبير

بنعمته للعفاة الحبور … بسطوته للعداة الثبور

هو الشمس أفلاكه في البلاد … ومطلعه سرجه والسرير

إذا ما سطا أو حبا واحتبى … فما الليث من حاتم ما ثبير

إياب أبن أيوب نحو الشآم … على كل ما ترتجيه ظهور

بيوسف مصر وأيامه … تقر العيون وتشفى الصدور

رأت منك حمص لها كافيا … فواتاك منها القوي العسير

مليك ينادي رجائي نداه … ومولى جداه بحمدي جدير

وكم قد فللت جموع الفرنج … بحد اعتزام شاه طرير

بضرب تحذف منه الرؤوس … وطعن تخسف منه النحور

وغادرت غادرهم بالعراء … ومن دمه كل قطر غدير

بجرد عليها رجا الهياج … كأن صقورا عليها صقور

من الترك عند دبابيسها … صحاح الطلى والهوادي كسور

سهام كنائنها الطائرات … لهن قلوب الأعادي وكور

وعندهم مثل صيد الصوار … إذا حاولوا الفتح صيدا وصور

بحيشك أزعجت جأش العدو … فما نضر منه إلا نفور

تركت مصارع للمشركين … بطون القشاعم فيها قبور

تزاحم فرسانها الضاريات … فتصدم فيها النسور النسور

وإن تولد بكر الفتوح … إذا ضربت بالذكور الذكور

إلي شكا الفضل نقص الزمان … وهل فاضل في زماني شكور

حذارك من سطوة الجاهلين … وذو العلم من كل جهل حذور

وهل يلد الخير أو يستقيم … زمان عقيم وفضل عقير

شكت بكر فضلي تعنيسها … فما يجلب الود كفء كفور

فقلت لفضلي أفاق الزمان … ودر المراد ودار الأثير

وعاش الرجاء ومات الإياس … وسر الحجا وأنار الضمير

ووافى المليك الذي عدله … لذي الفضل من كل ضيم يجير

فلست أبالي بعيث الذئاب … إذا ما انتحى لي ليث هصور

ملكت فأسجح فما للبلاد … سواك مجير ومولى نصير

وفي معصم الملك للعز منك … سوار ومنك على الدين سور

لك والله في كل ما تبتغيه … بحق ظهير ونعم الظهير

أما المفسدون بمصر عصوك … وهذي ديارهم اليوم قور

أما الأدعياء بها إذ نشطت … لإبعادهم زال منك الفتور

ويوم الفرنج إذا ما لقوك … عبوس برغمهم قمطرير

نهوضا إلى القدس يشفى الغليل … بفتح الفتوح وماذا عسير

سل الله تسهيل صعب الخطوب … فهو على كل شيء قدير

إليك هجرت ملوك الزمان … فمالك والله فيهم نظير

وفجرك فيه القرى والقران … جميعا وفجر الجميع الفجور

وأنت تريق دماء الفرنج … وعندهم لا تراق الخمور