أجاب الشعر حين دعا الوفاء – جبران خليل جبران
أجاب الشعر حين دعا الوفاء … وكان إذا دعوت به إباء
فإن يعجز بياني حيث فني … فليس بعاجز حيث الولاء
نجيب وهو ما هو في ودادي … وإجلالي أيخطئه الثناء
أحق فتى بما تصف القوافي … فتى فيه الشجاعة والحياء
لأحمد في المفاخر كل بكر … من الخفرات نم بها الضياء
سري من سراة حب فيه … ثراء الخلق يدعمه الثراء
أديب يبرز المعنى مصفى … بلفظ لا يشاب له صفاء
خطيب تنهل الأسماع منه … مناهل للنفوس بها شفاء
ولي مناصب لم تنس فيها … مآثره الإدارة والقضاء
وزير لم ترنحه المعالي … ولم يأخذه بالجاه إنتشاء
أدار وزارتيه فلم تفته … مع الحزم العزيمة والمضاء
وأشهد مكبريه كيف تؤتى … ثمارهما الحصافة والفتاء
إذا ما ازداد مجدا زاد لطفا … وما في اللطف خب أو رياء
تواضع من علا في الناس أحجى … ولله العظيم الكبرياء
متى تسل المعارف عنه ينبيء … بما فعل الثقات الأوفياء
مدارس أصلحت من كل وجه … فعاودها الترعرع والنماء
فنون ثقافة رعيت وصينت … فزال الريب وانتعش الرجاء
برامج قومت من حيث آوت … فآبت لا محال ولا التواء
متى تسل التجارة عنه تعلم … هنالك ما تقاضاه الدهاء
وما سيكون منها حظ مصر … وقبلا حظها منها هباء
متى تسل الصناعة تدر أني … نصرف في معاضلها الذكاء
وهيأ في الحمى عيشا رغيدا … لقوم كان حلفهم الشقاء
يعيد إلي هذا اليوم ذكرى … لها في أحسن الذكر البقاء
ذخيرة مصر جامعة حقيق … بها رفق الولاة والاعتناء
تجنى حادث جلل عليها … وناب عن الولاء لها العداء
صروح لم تكد تعلو ذراها … وجدر لم يجف لها طلاء
تغلغل في حناياها التنابي … وخيم في زواياها العفاء
ويدعو العلم صونوها تصنكم … فما أن يستجاب له دعاء
إلى أن عالج الفتح المرجى … صبور لا يخيب له بلاء
إذا استعصى مرام لج فيه … ولم يقعد بهمته العناء
فظل مكافحا حتى وقاها … وشاء الله فيها ما يشاء
بنى استقلالها سورا منيعا … ولاستقلال أمته البناء
ولم يكرثه ما لاقاه فيها … كذاك يكون للوطن الفداء
فتى الفتيان إقداما وعلما … وما هم في مجالهما سواء
إذا أكرمت والحفلات شتى … فذلك شكر مصر ولا مراء