أتتني عنْكَ المؤيسات فلم ألمْ – ابن الرومي

أتتني عنْكَ المؤيسات فلم ألمْ … وقلت سحابٌ جادني ثم أقلعا

فلا يُبْعد اللهُ السحابَ وصوبهُ … ولا أعصفتْ ريحٌ لكي يتقشَّعا

هو الغيثُ يسقي بلدة ً بعد بلدة ٍ … من الأرض حتى يسقي الأرض أجمعا

وليس بمبعوثٍ ليُنصفَ مَرتعاً … فيُرضيَهُ السُّقيا ويظلم مَرْتعا

وما ضرّني من نافعٍ أن يُضرني … وذاك لحبي أن يضرَّ وتنفعا

رضيتُ بما ترضى فإن شئتُ مرة ً … سواه فلا استنشقْتُ إلا بأجدعا

ولا خير لي فيما أُحِبُّ وتجتوي … لأنك من قلبي كنفسي موقعا

على أنك الشيءُ الذي لا أرى له … مثالاً سوى الشمس المُنيرة ِ مطلعا

لك المثل الأعلى على الناس كلِّهم … وإن غِيظت الأكبادُ حتى تصدَّعا

خضعتُ فإن خلتَ الخضوعَ خديعة ً … فما زلتَ خدَّاعاً وزلتَ مخدَّعا

على أنك المُذْكي على كل خُطَّة ٍ … تضمنتَها قلباً من الجمر أصنعا

وأنك منْ ساسَ الأمور بحكمة ٍ … فما ريم ما أحْمَى ولا ضِيمَ ما رعى

ذكاءَ فتاءٍ لا تجاريبَ كبرة ٍ … ترى الغيبَ عنه حاسراً لا مُقنَّعا

ولكنَّكَ المخدوعُ صفحاً ونائلاً … فتصفحُ وضّاحاً وتمنحُ أروعا

ولا أنا من جدوى يديك بآيسٍ … وإن هوّل الظنُّ الكذوبُ وشنَّعا

فإن كنتَ من جدواك لا بد مانعي … فلا تمنعنِّي أن أقول وتسمعا

ولا تحمِّينِّي أن أراك مطالعاً … إذا كادت الأحشاء أن تتطلعا

ومُتِّعتَ بالعمر الطويل محكَّماً … ولا زلتُ بالإنصاف منك ممتَّعا