أبِيتُ كَأني لِلصَّبَابَة ِ صَاحِبُ، – أبو فراس الحمداني

أبِيتُ كَأني لِلصَّبَابَة ِ صَاحِبُ، … و للنومِ مذْ بانَ الخليطُ ، مجانبُ

وَمَا أدّعِي أنّ الخُطُوبَ تُخِيفُني … لَقَدْ خَبّرَتْني بِالفِرَاقِ النّوَاعِبُ

و لكنني ما زلتُ أرجو وأتقي … وَجَدَّ وَشِيكُ البَيْنِ وَالقَلْبُ لاعِبُ

و ماهذهِ في الحبِّ أولَ مرة ٍ … أسَاءَتْ إلى قَلبي الظّنُونُ الكَوَاذِبُ

عليَّ لربعِ ” العامرية ” وقفة ٌ … تُمِلّ عَليّ الشّوْقَ وَالدّمعُ كاتِبُ

فلا ، وأبي العشاقِ ، ما أنا عاشقٌ … إذا هيَ لَمْ تَلْعَبْ بِصَبرِي المَلاعِبُ

و منْ مذهبي حبُّ الديارِ لأهلها … وَللنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ

عتادي لدفعِ الهمِّ نفسٌ أبية ٌ … وَقَلبٌ على مَا شِئتُ مِنْهُ مُصَاحِبُ

حَسُودٌ عَلى الأمرِ الذي هُوَ عَائِبُ … وَخُوصٌ كأمْثَالِ القِسِيّ نَجَائِبُ

تكاثرَ لوامي على ما أصابني … كأنْ لم تنبْ إلا بأسري النوائبُ

يقولونَ : ” لمْ ينظرْعواقبَ أمرهِ ” … و مثلي منْ تجري عليهٍِ العواقبُ

ألألمْ يعلمِ الذلانُ أنَّ بني الوغى … كَذاكَ، سَليبٌ بِالرّمَاحِ وَسَالِبُ

أرى ملءَ عيني الردى فأخوضهُ … إذِ المَوْتُ قُدّامي وَخَلْفي المَعَايِبُ

وَإنّ وَرَاءَ الحَزْمِ فِيهَا وَدُونَهُ … مَوَاقِفَ تُنْسَى دُونَهُنّ التّجَارِبُ

و أعلمُ قوماً لو تتعتعتُ دونها … لأجهَضَني بالذّمّ مِنهُمْ عَصَائِبُ

و مضطغنٍ لمْ يحملِ السرَّ قلبهُ … تَلَفّتَ ثمّ اغْتَابَني، وَهوَ هَائِبُ

تردى رداءَ الذلِّ لمَّـا لقيتهُ … كما تتردى بالغبارِ العناكبُ

ومنْ شرفي أنْ لا يزالَ يعيبني … حسودٌ على الأمرِ الذي هوَ عاتبُ

رَمَتْني عُيُونُ النّاسِ حَتّى أظُنّهَا … ستحسدني ، في الحاسدينًَ ، الكواكبُ

فَلَسْتُ أرَى إلاّ عَدُوّاً مُحارباً، … و آخرَ خيرُ منهُ عندي المحاربُ

وَيَرْجُونَ إدْرَاكَ العُلا بِنُفُوسِهِمْ … وَلَمْ يَعْلَمُوا أنّ المَعَالي مَوَاهِبُ

فكمْ يطفئونَ المجدَ واللهُ موقدٌ … وَكَمْ يَنْقُصُونَ الفَضْلَ وَاللَّهُ وَاهبُ

و هلْ يدفعُ الإنسانُ ما هوَ واقعٌ … وَهَلْ يَعْلَمُ الإنسانُ ما هوَ كاسِبُ؟

و هلْ لقضاءِ اللهِ في الخلقِ غالبٌ … وهلْ لقضاءِ اللهِ في الخلقِ هاربُ؟

… وَلا ذَنبَ لي إنْ حارَبَتني المَطالِبُ

وهلْ يرتجي للأمرِ إلا َّرجالهُ … وَيأتي بصَوْبِ المُزْنِ إلاّ السّحائِبُ؟

و عنديَ صدقُ الضربِ في كلِّ معركٍ … و ليسَ عليَّ إنْ نبونَ المضاربِ

إذا كانَ “سيفُ الدولة ِ” الملكُ كافلي … فلا الحَزْمُ مَغلوبٌ ولا الخصْمُ غالِبُ

إذا اللَّهُ لَمْ يَحْرُزْكَ مِمّا تَخَافُهُ، … عَليّ لِسَيْفِ الدّولَة ِ القَرْمِ أنْعُمٌ

وَلا سَابِقٌ مِمَّا تَخَيّلْتَ سَابِقٌ، … ولاَ صاحبٌ مما تخيرتَ صاحبُ

أأجْحَدُهُ إحْسَانَهُ فيّ، إنّني … لكافرُ نعمى ، إنْ فعلتُ ، مواربُ

لَعَلّ القَوَافي عُقْنَ عَمّا أرَدْتُهُ، … فلا القولُ مردودٌ ولا العذرُ ناضبُ

و لا شكَّ قلبي ساعة ً في اعتقادهِ … وَلا شَابَ ظَني قَطّ فِيهِ الشّوَائِبُ

تُؤرّقُني ذِكْرَى لَهُ وَصَبَابَة ٌ، … وَتَجْذُبُني شَوْقاً إلَيْهِ الجَوَاذِبُ

وَلي أدْمُعٌ طَوْعَى إذا مَا أمَرْتُها، … وَهُنّ عَوَاصٍ في هَوَاهُ، غَوَالِبُ

فلا تخشَ ” سيفَ الدولة ِ” القرمَ أنني … سِوَاكَ إلى خَلْقٍ مِنَ النّاسِ رَاغبُ

فلا تُلبَسُ النّعمَى وَغَيرُكَ مُلبِسٌ، … وَلا تُقْبَلُ الدنيَا وَغَيرُكَ وَاهِبُ

وَلا أنَا، مِنْ كُلّ المَطاعِمِ، طَاعِمٌ … وَلا أنَا، مِنْ كُلّ المَشَارِبِ، شَارِبُ

وَلاَ أنَا رَاضٍ إنْ كَثُرْنَ مكاسِبي، … إذا لمْ تكنْ بالعزِّ تلكَ المكاسبُ

و لا السيدُ القمقامُ عندي بسيدٍ … إذا اسْتَنْزَلَتْهُ عَن عُلاهُ الرّغَائِبُ

أيَعْلَمُ مَا نَلْقَى ؟ نَعَمْ يَعْلَمُونَهُ … على النأيِ أحبابٌ لنا وحبائبُ

أأبْقَى أخي دَمْعاً، أذاقَ كَرى ً أخي؟ … أآبَ أخي بعدي ، منَ الصبرِآئبُ؟

بنَفسِي وَإنْ لمْ أرْضَ نَفسِي لَرَاكِبٌ … يُسَائِلُ عَني كُلّمَا لاحَ رَاكِبُ

قريحُ مجاري الدمعِ مستلبُ الكرى … يُقَلْقِلُهُ هَمٌّ مِنَ الشوْقِ نَاصِبُ

أخي لا يُذِقْني الله فِقْدَانَ مِثْلِهِ … و أينَ لهُ مثلٌ ، وأينَ المقاربُ؟

تَجَاوَزَتِ القُرْبَى المَوَدّة ُ بَيْنَنَا، … فأصْبَحَ أدْنَى مَا يُعَدّ المُنَاسِبُ

ألا لَيْتَني حُمّلْتُ هَمّي وَهَمّهُ، … وَأنّ أخي نَاءٍ عَنِ الهَمّ عَازبُ

فَمَنْ لمْ يَجُدْ بالنّفسِ دون حبيبِهِ … فما هوَ إلاَّ ماذقُ الودِّ كاذبُ

أتَاني، مَعَ الرُّكْبَانِ، أنّكَ جَازِعٌ، … وَغَيرُكَ يَخْفَى عَنْهُ لله واجِبُ

وَمَا أنْتَ مِمّنْ يُسْخِطُ الله فِعلُهُ … و إن أخذتْ منكَ الخطوبُ السوالبُ

وَإني لَمِجْزَاعٌ، خَلا أنّ عَزْمَة ً … تدافعُ عني حسرة ً وتغالبُ

و رقبة َ حسادٍ صبرتُ لوقعها … لها جانبٌ مني وللحربِ جانبُ

فكمْ منْ حزينٍ مثلَ حزني ووالهٍ … ولكنني وحدي الحزينُ المراقبُ

ولستُ ملوماً إنْ بكيتكَ منْ دمي … إذا قعدتْ عني الدموعُ السواكبُ

ألا ليتَ شعري هلْ أبيتنَّ ليلة ً … تناقلُ بي فيها إليكَ الركائبُ؟