أبي – إيليا أبو ماضي

طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني … وذا بعضها الثاني يفيض به جفني

أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت … مقاصير أحلامي كبيت من التّين

وكانت رياضي حاليات ضواحكا … فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني

وكانت دناني بالسرور مليئة … فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ

فليس سوى طعم المنّية في فمي، … وليس سوى صوت النوادب في أذني

ولا حسن في ناظري وقلّما … فتحتهما من قبل إلاّ على حسن

وما صور الأشياء ، بعدك غيرها … ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن

على منكي تبر الضحى وعقيقه … وقلبي في نار ، وعيناي في دجن

أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي … وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن

فمستنكر كيف استحالت بشاشتي … كمستنكر في عاصف رعشة الغضن

يقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى … وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني

شخصت بروحي حائرا متطلعا … إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدني

كذات جناح أدرك السيل عشّها … فطارت على روع تحوم على الوكن

فواها لو اني في القوم عندما … نظلرت إلى العوّاد تسألهم عنّي

ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها … فكنت مع الباكين في ساعة الدفن

لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها … وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن

فأعظم مجدي كان أنك لي أب … وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني

أقول : لي اني… كي أبرّد لو عتي … فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني

أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟ … أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن

أبي وإذا ما قلتها فكأنني … أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني

لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى … فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟

خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا … ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن

فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى … ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن

وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة … كأرض بلا مناء وصوت بلا لحن

فما بك من ضرّ لنفسك وحدها … وضحكك والإيناس للبحار والخدن

جريء على الباغي، عيوف عن الخنا، … سريع إلى الداعي ، كريم بلا منّ

وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر … لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ

فما استشعر المصغي إليك ملالة … ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني‍

برغمك فارقت الربوع ىوإذا … على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن

طريق مشى فيها الملايين قبلنا … من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّ

نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها … وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن

تروح وتغدو حرّة في عبابه … كما يتهادى ساكن السجن في السجن

وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى … فشالت وكانت جعجعات بلا طحن

فأصدق أهل الأرض معلرفة به … كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ

فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده … وذاك كهذا ليس منه على أمن

فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض … على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن

أيا رمز لبنان جلالا وهيبة … وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصن

ضريحك مهما يستسرّ وبلذة … أقمت بها تبني المحامد ما تبني

أحبّ من الأبراج طالت قبابها … وأجمل في عينيّ من أجمل المدن

علىذلك القبر السلام فذكره … أريج بهنفسي عن العطر تستغني

كلمات: فراس الحبيب

ألحان: علي صابر