أأراك الحبيب خاطر وهم – البحتري

أأرَاكَ الحَبيبُ خاطِرَ وَهْمِ، … أمْ أزَارَتْكَهُ أضَالِيلُ حُلْمِ

تلكَ نُعمٌ، لَوْ أنعَمَتْ بِوِصَالٍ … لَشَكَرْنَا، في الوَصْلِ، إنْعَامَ نُعمِ

نَسيَتْ مَوْقِفَ الجِمَارِ، وَشَخصا … نا كَشَخصٍ أرْمي الجِمَارَ وَتَرْمِي

إذْ وَدِدْنَا الحَجيجَ، من أجلِ ما نفْـ … ـتَنُّ فيهِ، أرْسالَ عُمْيٍ وَصُمّ

حَيثُ جاهي في الغانياتِ، وَنَعتي … و مَكاني، من الشّبيبَةِ، كاسمي

ظَلَمَتْني تَجَنّباً وَصُدُوداً، … غَيرَ مُرْتَاعَةِ الجَنانِ لظُلْمي

وَيَسيرٌ عِنْدَ القَتُولِ، إذَا مَا … أثِمَتْ فيّ، أنْ تَبُوءَ بإثْمي

أجِدُ النّارَ تُسْتَعَارُ مِنَ النّارِ، … وَيَنْشو من سُقمِ عَيْنَيكِ سُقمي

لَعِبٌ ما أتَيتِ مِنْ ذلكَ الصّدِّ … فنَرْضاهُ أمْ صَرِيمةُ عَزْمِ؟

وغَرِيرٍ يَلْقَى صُبَابَةَ مُزْنٍ، … آخِرَ اللّيْلِ، في صُبَابَةِ كَرْمِ

بِتُّ عَن رَاحَتَيْهِ شارِبَ خَمْرٍ، … وَكَأنّي للسُّقْمِ شارِبُ سُمّ

وَبِحَقٍّ إنّ السّيُوفَ لَتَنْبُو … تَارَةً، والعُيُونُ باللّحظِ تُدمي

حَارَبَتْني الأيّامُ حتّى لَقَدْ أصْـ … ـبَحَ حَرْبي مَنْ كنتُ أعتَدُّ سلمي

غَيرَ أنّي أُدَافِعُ الدّهْرَ عَنّي … باحْتِقَارِي لصَرْفِهِ المُسْتَذَمّ

وَحَديثي نَفْسي بأنْ سَوْفَ أُكْفَى … حَيفَ قاضِيَّ واستِطَالَةَ خَصْمي

إنْ أخَسّتْ تِلكَ الحَقائقُ حظّي … أجْْزَلَتْ هَذِهِ الأمانيُّ قِسْمي

وإذا ما أبَى الحَبيبُ مُؤاتَا … تي تَبَلّغْتُ بالخَيَالِ المُلِمّ

مِنْ عَطَاءِ الإلَهِ بَلّغْتُ نَفْسي … صَوْنَهَا، ثمّ مِنْ عَطَاءِ ابنِ عَمّي

كُلّمَا قُلتُ أيبَسَ المَحلُ أرْضِي، … وَلِيَتْني غَمَامَةٌ مِنْهُ تَهْمي

فَلَهُ في مَدائحي حُكْمُهُ الأوْ … فَى، وَلي مِنْ نَوَالِهِ الغَمرِ حُكْمي

كُلُّ مَشْهُورَةٍ يُؤلَّفُ فيها … بَينَ دُرّيّةِ الكَوَاكِبِ نَظْمي

أيْنَمَا قَامَ مُنْشِدٌ لاحَ نَجمٌ … مُتَلالٍ مِنْهَا، على إثْرِ نَجْمِ

وَجَهُولٍ رَمَى لَدَيْهِ مَكَاني، … قُلتُ: أقصِرْ ما كُلُّ رَامٍ بمُصْمِ

وإذا مَا العِرّيضُ وَالى أذاتي، … كانَ خُرْطُومُهُ خَليقاً بِوَسْمي

في بني الحَارِثِ بنِ كَعبِ بنِ عَمْرٍو … سَيّدُ النّاسِ بَينَ عُرْبٍ وَعُجْمِ

بأبي أنْتَ عَاتِباً، وَقَليلٌ … لكَ منّي أبي فِداءً، وأُمّي

لُمْتَنِي أنْ رَمَيتُ في غَيرِ مَرْمًى، … وَعَزِيزٌ عَلَيّ تَضْيِيعُ سَهْمي

إنْ أكُنْ حُبْتُ في سُؤالِ بَخيلٍ، … فَبِكُرْهي ذاكَ السّؤالَ وَرُغمي

والذي حَطّني إلى أنْ بَلَغتُ الـ … مَاءَ ما كانَ مِنْ تَرَفّعِ هَمّي

وَإِبَائي عَلَى مُمَلَّكِ أَرْضِي … مَا تَوَلاَّهُ مِنْ عَطائي وشَكْمي

ثمّ حالَتْ حالٌ تُكَلّفُني قِسْـ … ـمَةَ حَمدي بَينَ الرّجَالِ وَذَمّي

فأرَى أينَ مَوْضِعُ الجُودِ في القومِ … مكاني وَمَيزَ الناسُ عُدْمي

فعلامَ التثريبُ واللومُ إذْ عِلْـ … ـمُكَ فيما أقُولُهُ مِثلُ عِلْمي

وَكَأنّ الإعْرَاضَ عَنّي قَضَاءٌ … فاصِلٌ عَنْ ألِيّةٍ مِنْكَ حَتْمِ

حينَ لا مَلْجَأٌ سِوَاكَ أُرَجّيـ … ـهِ تَجَهّمْتَني، وَلَسْتَ بجَهْمِ

وإِذا مَا سَخِطْتَ والمُخُّ رَارٌرَقَّ … عَنْ أَنْ يُطِيقَ سُخْطَكَ عظْمِي

لا تُجَاوِزْ مِقْدَارَ سَطوِكَ إنْ لَمْ … تَتَطَوّلْ بالصّفْحِ مقدارَ جُرْمي

واحترِسْ من ضَياعِ حِلمِكَ في الجَفـ … ـوَةِ والانْقِبَاضِ إنْ ضاعَ حِلمي