يا من زكا جهرُه وإسرارهُ – ابن الرومي
يا من زكا جهرُه وإسرارهُ … وصحَّ إبداؤه وإضمارُهُ
أراك عاقبتَني لأني لم … أسألك شيئاً يجلُّ مقدارهُ
وملتُ نحو الذي يميلُ أخو ال … جهل إلى مثله ويختارهُ
وهْو البخورُ الذي محصَّلُنا … من ملكه قترة ٌ وإعصارهُ
ذاك الذي أشبهتْ روائحه … روائحَ الروضِ فاح نُوارهُ
ولا ترى عاقلاً يُعاملُهُ … إلا إذا زال عنه إعسارُهُ
لكنَّه الندّ وهْو مقتَرحٌ … يجلُّ عن أن يُذم مختاره
لا سيّما ندك الذي منعتْ … جوْدته أن يُسبَّ عطاره
سُمِّي ندّاً لأنه أبداً … تَبعد في الخافقين آثاره
تنِدُّ أرواحه فتطرأُ من … أقصى قَصيِّ البلادِ أخباره
كأنما ذِكرُك الذي حلف ال … معروفُ أن لا تنام سُماره
ينفذ أقطارَ كلِّ منخرقٍ … تحمي الرياحَ النَّفوذ أقطاره
يبعثُ نشراً له تطيبُ به … أنجادُ إقليمه وأغواره
إذا امتطى الريحَ سار منشمِراً … سيان مَدحيكمُ وسَياره
حقرتَ لي منه غير محتقرٍ … فراث عني لذاك إحضاره
وكُنتَ لا تَعذر المخفِّف في الت … تخفيف حتى يبينَ إعذاره
وحاجة ُ السائل المثقِّل في … نفسك كالشُّهد حين تشتاره
وإنني تائبٌ إليك من الت … خفيف توباً تصحُّ أسراره
ما بيننا بعدها مُطالبة ٌ … إلا بما لا يُعاب مُمتاره
كالحاجة ِ الفخمة ِ الجليلة من … جاهٍ ومال يميل مِعْياره
وأنت أهلٌ لذاك يا سندي … ومن مَطافي وقِبْلتي داره
يا من له السؤدد التمام إذا … كان لكل الأنام مِعْشاره
لن يحسُنَ الاحتشامُ من ملك … درهمه للندى وديناره
فحواه بشراه حين تسألهُ … وحلمهُ إن عثرتَ إنذاره
أنذر في البخل معشرٌ مُنعُ … وفي السماح الغريبِ إنذاره
يُقر بالوعد حين يعقدهُ … وإن أتى العرفَ طال إنكارُهُ
يا لك من منكرٍ ومعترفٍ … يُكرمُ إنكاره وإقراره
حرَّرنا طولهُ وعبَّدنا … فنحن عُبدانه وأحراره
يا من إذا المال حلَّ عِقوته … حُسِّن إقباله وإدباره
يورّد من حِلَّه على كرم … ثُم إلى العارفات إصداره
يا من يجيرُ المُلاوذين به … فالله من كل آفة ٍ جاره
قصَّر من يسأل الحقائر أم … ثالك جِداً وآنَ إقصاره
فاعذر وإن كنتُ قد سألتك ما … يصغر فيما تُنيلُ قنطاره
وعجِّلِ الندّ وليكن عبقَ النْ … نفحة يذكو وإن خبتْ ناره
فما قليلٌ قليل ذي كرمٍ … يطيبُ إقلاله وإكثاره
ومِن زَراءِ الكثير قطعُكَه … ومن بهاء القليل إدراره
شجاً أن أروم الصبر عنك فيلتوي … عليَّولؤمٌ أن يساعدني الصبر
فيا حَزَني أن لا سلوَّ يطيعني … ويا سوءتا من سلوتي إنها غدر