يا ليت شعري هل أسيب ضمرا – الفرزدق

يا لَيْتَ شِعرِي هلْ أُسَيِّبُ ضُمَّراً … أُكلَتْ عَرَائِكُهُنّ بِالأكْوَارِ

مِثْلَ الذّئَابِ، إذا غَدَتْ رُكبانُها … يَعْسِفْنَ بَينَ صَرَايِمٍ وَصَحارِي

أُعْطي خَلِيفَتُنا، بِقُوّةِ خَالِدٍ، … نَهْراً يَفِيضُ لَهُ على الأنْهَارِ

إنّ المُبَارَكَ كَاسْمِهِ يُسْقَى بِهِ … حَرْثُ الطّعَامِ وَلاحِقُ الجَبّارِ

أسْقَاهُ مِنْ سَيْحِ الفُرَاتِ وَغَيْرِهِ … كُدْراً غَوَارِبُهُ مِنَ التّيّارِ

لَما تَدَارَكَ لِلْمُبَارَكِ مَدُّهُ … رَخُصَ الطّعَامُ لِمَايِحٍ وَتِجَارِ

ولَوْ أنّ دِجْلَةَ أُنْبِئَتْ عَنْ خَالِدٍ … بَاتَتْ مَخافَتُهُ عَلى الأقْتَارِ

يا دِجْلَ إنّكِ لَوْ عَصَيتِ لِخَالِدٍ … أمْراً سُقِيتِ بِأمْلَحِ الأمْرَارِ

إنْ كَانَ أثْخَنَ مَدَّ دِجْلَةَ خالِدٌ … فَلَطالَما غَلَبَتْ بَني الأحْرَارِ

يا دِجْلَ كُنتِ عَزِيزَةً فِيما مَضَى، … فَلَقَدْ أصَابَكِ خَالِدٌ بِصَغَارِ

الله سَخّرَهَا بِكَفَّيْ خَالِدٍ، … وَلَقَدْ تَكُونُ عَزِيزَةَ الأضْرَارِ

حَتى رَأيْتُ تُرَابَ دِجْلَةَ خَارِجاً … تَخِدُ الرِّكَابُ عَلَيْهِ بِالأوْقَارِ

يَجْتَازُ دِجْلَةَ لا يَخَافُ خِيَاضَها … مَنْ كانَ يَقْطَعُهَا على المِعْبَارِ

إني هَتَفْتُ بخَالِدٍ، ولَقَدْ دَنَتْ … نَفْسِي لِثُغْرَةِ نَحْرِهَا لحِظارِ

أنْتَ المُجِيرُ وَمَنْ تُجِرْ تَعْقِدْ لَهُ … عِنْدَ الجِوَارِ أشَدّ عَقْدِ جِوَارِ

مَا زِلْتُ في لهَوَاتِ لَيْثٍ مُخْدِرٍ … حَتى تَدَارَكَني أبُو سَيّارِ

ألْقَى إليّ على شَقَائِقِ هُوّةٍ، … حَبْلاً شَدِيداً، غَارَةَ الإمْرَارِ

حَبْلاً أخَذْتُ بِهِ، فَنَجّاني بِهِ … رَبّي بِنِعْمَةِ مُدْرِكٍ غَفّارِ

أرْجُو الخُرُوج بخَالِدٍ، وَبخَالِدٍ … يُجْلى العَشَا لِكَوَاسِفِ الأبْصَارِ

إني وَجَدْتُ لِخَالِدٍ في قَوْمِهِ … ضَوْءَيَنِ قَدْ ذَهَبَا بِكُلّ نَهَارِ

في الشِّرْكِ قَدْ سَبَقَا بكُلّ كَرِيمَةٍ … تَعْلُو القَبَائِلَ كُلَّ يَوْمِ فَخارِ

أمّا البُيُوتُ، فَقَدْ بَنَيْتُمْ فَوْقَها … بَيْتاً بِأطْولِ أدْرُعٍ وَسَوارِي

بَيْتاً بِهِ رَفَعَ المُعَلّى مَجْدَهُمْ … لِبَنِيهِ، يَوْمَ تَفَاضُلِ الأخْطارِ